الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } تمثيل لحالهم إثرَ تمثيلٍ، ليعم البيانُ منها كلَّ دقيق وجليل، ويوفي حقها من التفظيع والتهويل، فإنه تفننهم في فنون الكفر والضلال حقيقٌ بأن يضرب في شأنه الأمثال، وكما يجب على البليغ - في مظان الإجمال والإيجاز - أن يجمل ويوجز، فكذلك الواجب عليه - في موارد التفصيل والإشباع - أن يفصل ويشبع.

و " الصيب ": السحاب ذو الصَّوْبِ، والصَّوْبُ المطر، والمراد بالسماء: السحاب، كما قال تعالى:ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } [الواقعة: 69]. وهي في الأصل: كل ما علاك من سقف ونحوه.

{ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } التنوين في الكل للتفخيم والتهويل - كأنه قيل: فيه ظلماتٌ داجية، ورعدٌ قاصف، وبرقٌ خاطف - { يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ } الصاعقة: الصوت الشديد من الرعدة يسقط معها قطعةُ نارٍ تنقدح من السحاب - إذا اصطكت أجرامه - لا تأتي على شيء إلا أحرقته { حَذَرَ } - أي خوف - { ٱلْمَوْتِ } - من سماعها - { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } عِلماً وقُدرةً فلا يفوتونه. والجملة اعتراضية منبهة على أن ما صنعوا من سد الآذان بالأصابع - لا يغني عنهم شيئاً، فإن القدر لا يدافعه الحذَر، والحِيل لا ترد بأس الله عز وجل. وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير - الراجع إلى أصحاب الصيب - الإيذان بأن ما دهمهم - من الأمور الهائلة المحْكِيّة - بسبب كفرهم، فيظهر استحقاقهم شدة الأمر عليهم، على طريقة قوله تعالى:أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ } [آل عمران: 117]. فإن الإهلاك الناشئ عن السخط أشد.