الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } قال الراغب: هذه الآية من تمام الآية الأولى؛ لأنّه لما حثّ على تكبيره وشكره على ما قيّضه لهم من تمام الصوم، بيّن أنّ الذي يذكرونه ويشكرونه قريب منهم، ومجيب لهم إذا دعوه، ثم تمم ما بقي من أحكام الصوم.

قال الرازيّ: إن السؤال متى كان مبهماً، والجواب مفصلاً، دلّ الجواب على أنّ المراد من ذلك المبهم هو ذلك المعيّن. فلما قال في الجواب: { فَإِنِّي قَرِيبٌ } علمنا أنّ السؤال كان عن القرب والبعد بحسب الذات، أي: كما صرّحت به الرواية السابقة. والقريب من أسمائه تعالى الحسنى. ومعناه القريب من عبده بسماعه دعاءه، ورؤيته تضرّعَه، وعلمه به، كما قال:وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16] وقال:وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4] وقال:مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7].

قال الإمام تقيّ الدين ابن تيمية، عليه الرحمة، في عقيدته الواسطية: ودخل - فيما ذكرناه من الإيمان بالله - الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة. من أنّه سبحانه فوق سماواته على عرشه، عَليٌّ على خلقه. وهو معهم سبحانه أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله:هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [الحديد: 4]. وليس معنى قوله:وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4] أنّه مختلط بالخلق، فإنّ هذا لا توجبه اللغة. وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق. بل القمر - آية من آيات الله - من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر أينما كان. وهو سبحانه فوق العرش رقيبٌ على خلقه. مهيمنٌ عليهم، مطلعٌ إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكلّ هذا الكلام الذي ذكره الله من أنّه فوق العرش، وأنّه معنا - حقٌّ على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، ودخل في ذلك: الإيمانُ بأنه قريب من خلقه، كما قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ... } الآية.

وفي الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إنّ الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " وما ذكر في الكتاب والسنة - من قربه ومعيته - لا ينافي ما ذكر من علوّه وفوقيته..! فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته. وهو عليٌّ في دنوّه، قريبٌ في علوّه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10