الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ شَهْرُ رَمَضَانَ } لأنّ ذلك أفخم وآكد من تعيينه من أول الأمر.

وقال الراغب: جعل معالم فرضه على الأهلة ليبادر الإنسان به في كلّ وقتٍ من أوقات السنة، كما يدور الشهر فيه من الصيف والشتاء والربيعين.

وفي رفع: { شَهْرُ } وجهان: أحدهما: أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هي شهر، يعني الأيام المعدودات. فعلى هذا يكون قوله: { ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ } نعتاً للشهر أو لرمضان. والثاني: هو مبتدأ. ثم في الخبر وجهان: أحدهما: { ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ }؛ والثاني: إن { ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ } صفة، والخبر هو الجملة التي هي قوله: { فَمَن شَهِدَ }.

فإن قيل: لو كان خبراً لم يكن فيه الفاء لأنّ شهر رمضان لا يشبه الشرط!

قيل: الفاء - على قول الأخفش - زائدة. وعلى قول غيره ليست زائدة، وإنما دخلت لأنك وصفت الشهر بـ { ٱلَّذِيۤ } ، فدخلت الفاء كما تدخل في خبر نفس { ٱلَّذِيۤ }. ومثلهقُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } [الجمعة: 8]. فإن قيل: فأين الضمير العائد على المبتدأ من الجملة؟ قيل: وضع الظاهر موضعه تفخيماً أي: فمن شهده منكم. كذا في العكبريّ.

{ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } أي: ابتدأ فيه إنزاله، وكان ذلك في ليلة القدر.

قال الرازي: لأن مبادي الملل والدول هي التي يؤرخ بها، لكونها أشرف الأوقات، ولأنها أيضاً أوقات مضبوطة معلومة.

وقال سفيان بن عيينة: معناه: أنزل في فضله القرآن. وهذا اختيار الحسين بن الفضل، قال: ومثله أن يقال: أنزل الله في الصديق كذا آية، يريدون في فضله.

وقال ابن الأنباري: أنزل - في إيجاب صومه على الخلق - القرآنُ، كما يقال: أنزل الله في الزكاة كذا وكذا، يريد في إيجابها، وأنزل في الخمر كذا يريد في تحريمها، والله أعلم.

قال الحراليّ: أشعرت الآيةُ أنّ في الصوم حسنَ تلقٍ لمعناه، ويسراً لتلاوته، ولذلك جمع فيه بين صوم النهار وتهجّد الليل، وهو صيغة مبالغة من القرء وهو ما جمع من الكتب والصحف والألواح. انتهى.

وفي مدحه - بإنزاله فيه - مدح للقرآن به، من حيث أشعر أنّ من أعظم المقاصد بمشروعيته تصفية الفكر لأجل فهم القرآن، ليوقف على حقيقة ما اتبع هذا به من أوصافه التي قررت ما افتتحت به السورة، من أنّه لا ريب فيه، وأنه هدىً، على وجه أعمّ من ذلك الأول. فقال تعالى: { هُدًى لِّلنَّاسِ } نصب على الحال. { وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ } عطف على الحال قبله. فهي حال أيضاً. والظرف صفة. أي: أنزل حال كونه هداية للناس، وآيات واضحة مرشدة إلى الحقّ. فارقة بينه وبين الباطل. ولدفع سؤال التكرار في قوله { وَبَيِّنَاتٍ... } إلخ بعد قوله: { هُدًى لِّلنَّاسِ } حمل بعض المفسرين { ٱلْهُدَىٰ } الأول بواسطة النكرة على الهدى الذي لا يقدر قدره المختص بالقرآن أعنى هدايته بإعجازه.

السابقالتالي
2 3