الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } نصب على الظرف، أي: كتب عليكم الصيام في أيام معدودات وهي أيام شهر رمضان، كما بينها تعالى فيما بعد بقوله:شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } [البقرة: 185]. { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } أي: مرضاً يضرّه الصوم، أو يعسر معه.

والمرض: السقم وهو نقيض الصحة واضطراب الطبيعة بعد صفائها واعتدالها { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } أي: فأفطر { فَعِدَّةٌ } أي: فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر { مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } غير المعدودات المذكورة، وإنما رخّص الفطر في حال المرض والسفر لما في ذلك من المشقة. وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في أعظم الغزوات وأجلها: في غزوة بدر وغزة والفتح. قال عمر بن الخطاب: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان غزوتين: يوم بدر والفتح، فأفطرنا فيهما.

تنبيهات

الأول: ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر، كما خيّر بعض الصحابة بين الصوم والفطر. ففي الصحيحين: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " خرجنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حارٍّ، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحرّ، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة " وقوله: في بعض أسفاره، وقع في إحدى روايتي مسلم، بدله في شهر رمضان. وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم. وفي رواية: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما غابت الشمس قال لرجل: " انزل فاجدح لنا..! " فقال: يا رسول الله! لو أمسيت. قال: " انزل فاجدح لنا ". قال: إن عليك نهاراً. فنزل، فجدح له، فشرب، ثم قال: " إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا - وأشار بيده نحو المشرق - فقد أفطر الصائم " رواه الشيخان. واللفظ لمسلم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عُسْفان ثم دعا بماءٍ فرفعه إلى يديه ليُريَه الناسَ. فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان " فكان ابن عباس يقول: قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر. رواه الشيخان. واللفظ للبخاريّ.

وعن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدريّ فسألته عن الصوم في السفر فقال: " سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم قد دنوتم من عدوّكم، والفطر أقوى لكم! فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر.. " ثمّ نزلنا منزلاً آخر فقال: " إنكم مصبحو عدوّكم والفطر أقوى لكم فأفطروا ". وكانت عزمةً فأفطرنا. ثم قال لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر "

السابقالتالي
2 3 4