الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ فَمَنْ خَافَ } أي: توقّع وعلم، وهذا في كلامهم شائع، يقولون: أخاف أن ترسل السماء، يريدون: التوّقع والظنّ الغالب، الجاري مجرى العلم { مِن مُّوصٍ جَنَفاً } ميلاً عن الحقّ، بالخطأ في الوصية، والتصرّف فيما ليس له { أَوْ إِثْماً } أي: ميلاً فيها عمداً { فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ } أي: بينه وبين الموصَي لهم - وهم الوالدان والأقربون - بإجرائهم على طريق الشرع.

قال ابن جرير: بأن يأمره بالعدل في وصيته، وأن ينهاهم عن منعه فيما أذن له فيه وأبيح له. { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي: بهذا التبديل، لأن تبديله تبديلُ باطل إلى حقّ! - { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال ابن جرير: أي: غفورٌ للموصِي - فيما كان حدّث به نفسه من الجنف والإثم إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته - فتجاوز له عما كان حدّث به نفسه من الجور إذ لم يُمض ذلك، { رَّحِيمٌ } بالمصلح بين الوصيّ وبين من أراد أن يحيف عليه لغيره أو يأثم فيه له..!

تنبيه

ما أفادته الآية من فرضية الوصية للوالدين والأقربين

ذكر بعضهم: أنه كان واجباً قبل نزول آية المواريث. فلمّا نزلت آية الفرائض نسخت هذه وصارت المواريث المقدّرة فريضة من الله يأخذها أهلوها حتماً من غير وصية ولا تحمّل منّة الموصِي. ولهذا جاء في الحديث - الذي في السنن وغيرها - عن عمرو بن خارجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول: " إن الله قد أعطى كلَّ ذي حقّ حقّه، فلا وصيّة لوارث ".

ونصّ الإمام الشافعيّ: على أنّ هذا المتن متواتر، فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: " لا وصيّة لوارث " ويأثرونه عمّن حفظوه عنه ممّن لقوه من أهل العلم، فكانَ نقلَ كافة عن كافة. فهو أقوى من نقل واحد.

قال الإمام مالك في " الموطأ ": السنّة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها: أنّه لا تجوز وصيّة لوارث إلا أن يجيز له ذلك ورثة الميت.

وذهبت طائفة: إلى أنّ الآية محكمة لا تخالف آية المواريث. والمعنى: كتب عليكم ما أوصاكم به من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى:يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } [النساء: 11] أو كتب على المحتضر: أن يوصِي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم، وأن - لا ينقص من أنصبائهم! فلا منافاة بين ثبوت الميراث للأقرباء، مع ثبوت الوصية بالميراث عطيّة من الله تعالى، والوصية عطيّة ممن حضره الموت. فالوارث جُمع له بين الوصيّة والميراث بحكم الآيتين. ولو فرض المنافاة، لأمكن جعل آية الميراث مخصّصة لهذه الآية، بإبقاء القريب الذي لا يكون وارثاً لأجل صلة الرحم.

السابقالتالي
2