الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى } هذا شروع في بيان الحدود والحقوق التي لآدميّ معيّن، وهي النفوس. و { كُتِبَ } بمعنى فرض وأوجب.

قال الراغب: الكتابة يعبر بها عن الإيجاب، وأصل ذلك أنّ الشيء يراد ثم يقال ثم يكتب. فيعبر عن المراد الذي هو المبدأ بالكتابة التي هي المنتهى.

{ ٱلْحُرُّ } يقتل { بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ } من القاتلين { مِنْ أَخِيهِ } أي: دم أخيه المقتول { شَيْءٌ } بأن ترك وليّه القَوَد منه، ونزل عن طلب الدم إلى الديَة. وفي ذكر الأخوة: تعطّف داعٍ إلى العفو، وإيذانٌ بأنّ القتل لا يقطع أخوة الإيمان { فَٱتِّبَاعٌ } أي: فعلى العافي اتباع للقاتل { بِٱلْمَعْرُوفِ } بأن يطالبه بالديَة بلا عنف { وَ } على القاتل { أَدَآءٌ } للدّية { إِلَيْهِ } أي: العافي وهو الوارث { بِإِحْسَانٍ } بلا مطل ولا بخس.

{ ذٰلِكَ } أي: ما ذكر من الحكم وهو جواز القصاص والعفو عنه على الدية { تَخْفِيفٌ } تسهيل { مِّن رَّبِّكُمْ } عليكم { وَرَحْمَةٌ } بكم حيث وسّع في ذلك، ولم يحتّم واحداً منهما { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } بأن قتل غير القاتل بعد ورود هذا الحكم أو قتل القاتل بعد العفو أو أخذ الدية { فَلَهُ } باعتدائه { عَذَابٌ أَلِيمٌ } أمّا في الدنيا فبالاقتصاص بما قتله بغير حقّ، وأمّا في الآخرة فبالنار.

تنبيهات

الأول: قال الراغب: إن قيل: على من يتوجه هذا الوجوب في قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ }؟ أجيب: على الناس كافة. فمنهم من يلزمه استقادته - وهو الإمام - إذا طلبه الوليّ. ومنهم من يلزمه تسليم النفس وهو القاتل. ومنهم من يلزمه المعاونة والرضا به. ومنهم من يلزمه ألا يتعدى بل يقتص أو يأخذ الدية. والقصد بالآية: منع التعدِّي الجاهليّ.

الثاني: القصاص مصدر قاصّه، المزيد. وأصل القصّ: قطع الشيء على سبيل الاجتذاذ، ومنه: قصّ شعره. وقصّ الحديث: اقتطع كلاماً حادثا ًجدّاً وغيره، والقصة اسم منه. وحقيقة القصاص: أن يفعل بالقاتل والجارح ومثل ما فعلا. أفاده الراغب.

الثالث: ذكر تقيّ الدين ابن تيمية في " السياسة الشرعية " جملةً من أحكام القتل نأثرها عنه هنا. قال رحمه الله:

" القتل ثلاثة أنواع: أحدها: العمد المحض: وهو أن يقصد من يعلمه معصوماً بما يقتل غالباً. سواء كان يقتل بحدّه، كالسيف ونحوه. أو بثقله، كالسندان وكودس القصار. أو بغير ذلك: كالتحريق، والتغريق، وإلقاءٍ من مكان شاهق، والخنق، وإمساك الخصيتين حتى يخرج الروح، وغم الوجه حتى يموت، وسقي السموم... ونحو ذلك من الأفعال. فهذا إذا فعله وجب فيه القَوَد. وهو أن يمكن أولياء المقتول من القاتل. فإن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا عَفَوْا، وإن أحبوا أخذوا الدية؛ وليس لهم أن يقتلوا غير قاتله. قال الله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4