{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أي: من حدوده وأحكامه وغير ذلك مما أشارت إليه الآية الأولى بالبيّنات والهدى { وَيَشْتَرُونَ بِهِ } أي: يأخذون بدله { ثَمَناً قَلِيلاً } أي: مما يتمتعون به من لذات العاجلة. وقَلّلَه لحقارته في نفسه. ففيه إشعار بدناءة نفوسهم حيث رضيت بالقليل، أو بالنسبة لما فَوَّتوه على انفسهم من نعيم الآخرة الذي لا يُحاط بوصفه { أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ } أي: ما يَسْتَتْبِعُ النارَ ويستلزمها، فكأنه عينُ النار، وأكلُهُ أكْلُهَا، و { فِي بُطُونِهِمْ } متعلّق بـ { يَأْكُلُونَ } وفائدته: تأكيد الأكل، وتقريره ببيان مقرّ المأكول. قال الراغب: أكل النار: تناول ما يؤدي إليها. وذكر الأكل لكونه المقصود الأول بتحصيل المال. وذكر { فِي بُطُونِهِمْ } تنبيهاً على شرههم وتقبيحاً لتضييع أعظم النعم لأجل الطعم الذي هو أخسَ متناولٍ من الدنيا..! { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } قال الراغب: لم يعن نفي الكلام رأساً، فقد قال:{ فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6]، وقال:{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ } [الكهف: 52]. وإنما أراد كلاماً يقتضي جدوى؛ ولهذا قال الحسن: معناه يغضب عليهم تنبيهاً أنهم بخلاف من قال فيهم:{ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [الأحزاب: 44]، وقيل: حقيقة كلَّمتُهُ حملتُه على الكلام، نحو حركته، لأنّ مَنْ كلّمتَه فقد استدعيت كلامه؛ فكأنه قيل: لا يستدعي كلامهم نحو قوله:{ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 36]. { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } أي: يطهرهم من دنس الذنوب لغضبه عليهم لأنهم كتموا، وقد علموا فاستحقّوا الغضب: { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }: أي: مؤلم.