الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي: ما أخلصناه لكم من الشُّبَه، ولا تعرضوا لما فيه دنس - كما أحلّه المشركون من المحرّمات - ولا تحرّموا ما أحلّوا منها من السائبة وما معها { وَٱشْكُرُواْ للَّهِ } - الذي رزقكم هذه النعم - { إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ } - أي: وحده - { تَعْبُدُونَ } أي: إن صَحَّ أنكم تخصّونه بالعبادة، وتقرّون أنه سبحانه هو المنعم لا غير.

قال الإمام ابن تيمية في جواب أهل الإيمان: الطيبات التي أباحها هي المطاعم النافعة للعقول والأخلاق، والخبائث هي الضارة في العقول والأخلاق. كما أن الخمر أم الخبائث لأنها تفسد العقول والأخلاق، فأباح الله الطيبات للمتّقين التي يستعينون بها على عبادة ربهم التي خلقوا لها، وحرّم عليهم الخبائث التي تضرّهم في المقصود الذي خلقوا له. وأمرهم - مع أكلها - بالشكر، ونهاهم عن تحريمها. فمن أكلها ولم يشكر ترك ما أمر الله به واستحقّ العقوبة. ومن حرّمها - كالرهبان - فقد تعدّى حدود الله فاستحق العقوبة.

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله ليرضى عن العبد أنْ يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها " ، وفي حديث آخر: " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر ".

وقال تعالى:لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [التكاثر: 8] أي: عن شكره؛ فإنّه لا يبيح شيئاً ويعاقب مَنْ فعله. ولكن يسأله عن الواجب الذي أوجبه معه. وعمّا حرّمه عليه. هل فرّط بترك مأمور أو فعل محظور؟ كما قال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [المائدة: 78].

ولَما قيّد تعالى الإذن لهم بالطيّب من الرزق. افتقر الأمر إلى بيان الخبيث منه ليجتنب، فبيّن صريحاً ما حرّم عليهم - مما كان المشركون يستحلّونه ويحرّمون غيره - وأفهم حلّ ما عداه، وأنّه كثيرٌ جداً ليزداد المخاطَب شكراً، فقال:

{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ... }.