الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً } - حال أو مفعول، وهو ما انتفى عنه حكم التحريم { طَيِّباً } أي: مستطاباً في نفسه، غير ضارٍّ للأبدان ولا للعقول.

وقد روى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن ابن عباس قال: " تليت هذه الآية عند النبيّ صلى الله عليه وسلم: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً } فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله! ادعُ اللهَ أن يجعلني مستجاب الدعوة! فقال: " يا سعد! أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده! إنّ الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً، وأيّما عبد نبت لحمه من السحت والرِّبا فالنار أولى به...! " { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } وهي طرائقه ومسالكه فيما أضلّ أتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها... مما زينه لهم في جاهليتهم، كما في حديث عياض بن حمار الذي في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله تعالى: إنّ كلّ مالٍ منحته عبادي فهو لهم حلال " وفيه: " وإني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمتْ عليهم ما أحللت لهم ".

ومما يدخل في خطوات الشيطان: كلّ معصيةٍِ لله، ومنها: النذور في المعاصي، كما قاله بعض السلف في الآية.

قال الشعبيّ: نذر رجل ينحر ابنه، فأفتاه مسروق بذبح كبش، وقال: هذا من خطوات الشيطان!. قال أبو الضحى عن مسروق: أتى عبد الله بن مسعود بضرعٍ وملحٍ، فجعل يأكل، فاعتزل رجلٌ من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم؛ فقال لا أريده؛ فقال: أصائم أنت؟ قال: لا..! قال: فما شأنك؟ قال حرّمت أن آكل ضرعاً أبداً..! فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فاطْعَمْ وكفِّرْ عن يمينك..! رواه ابن أبي حاتم.

وروي أيضاً عن أبي رافع قال: غضبت يوماً على أمرأتي، فقالت: هي يوماً يهودية ويوماً نصرانية، وكلّ مملوك لها حرٌّ إن لم تطلق امرأتك..! فأتيت عبد الله بن عمر فقال: إنما هذه من خطوات الشيطان..! وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة - وهي يومئذٍ أفقه امرأة في المدينة - وأتيت عاصماً وابن عمر فقالا مثل ذلك.

وروى عبد بن حميد عن ابن عباس قال: ما كان من يمينٍ أو نذرٍ في غضب، فهو من خطوات الشيطان، وكفّارته كفارة يمين! نقله الإمام ابن كثير الدمشقي.

{ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } تعليل للنهي، للتنفير عنه والتحذير منه كما قال:إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [فاطر: 6]، وقال تعالى:أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } [الكهف: 50].