الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } الصفا والمروة: علمان لجبلين بمكة. ومعنى كونهما من شعائر الله: من أعلام مناسكه ومتعبّداته.

قال الرازيّ: كل شيء جعل علماً من أعلام طاعة الله، فهو من شعائر الله. قال الله تعالى:وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } [الحج: 36] أي: علامة للقربة. وقال:ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } [الحج: 32]، وشعائر الحج معالم نسكه. ومنه المشعر الحرام. ومنه إشعار السنام - وهو أن يعلم بالمدية - فيكون ذلك علماً على إحرام صاحبها، وعلى أنه قد جعله هدياً لبيت الله. والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة، مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام، ومنه قولك: شعرت بكذا أي علمت. انتهى.

والحج: في اللغة القصد. والاعتمار: الزيارة. غُلِبَا في الشريعة على قصد البيت وزيارته، على الوجهين المعروفين في النسك. والجناح: بالضم: الإثم والتضييق والمؤاخذة. وأصل الطواف: المشي حول الشيء. والمراد: السعي بينهما.

وقد روي في سبب نزول الآية عدّة روايات:

ولفظ البخاريّ عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } فوالله! ما على أحدٍ جناح ألا يطوف بالصفا والمروة! قالت: بئسما قلت يا ابن أختي! إنّ هذه لو كانت كما أوّلتَها عليه، كانت: لا جناح عليه ألا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلَّل. فكان مَن أهلّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة. فلمّا أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قالوا: يا رسول الله! إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله: { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ... } الآية. قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما. فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.

ثم أخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لَعِلْمٌ ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهلّ بمناة - كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله! كنا نطوف بالصفا والمروة. وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا. فهل علينا من حرج أن نطَّوَّف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ... } الآية. قال أبو بكر: فأسمعُ هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة.

السابقالتالي
2 3 4