الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }

وقوله تعالى: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } ينهى تعالى عباده المؤمنين عن أن يقولوا للشهداء أمواتاً. بمعنى الذين تلفت نفوسهم وعدموا الحياة، وتصرمت عنهم اللذات، وأضحوا كالجمادات، كما يتبادر من معنى الميت، ويأمرهم سبحانه بأن يقولوا لهم: الأحياء، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، كما قال تعالى في آل عمران:وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 169-171]، فقوله في هذه الآية: { عِندَ رَبِّهِمْ } يفسر المراد من حياتهم. أي: إنها لأرواحهم عنده تعالى. وقوله: { وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } أي: بحياتهم الروحية بعد موتهم. إذ لم يظهر منها شيء في أبدانهم، وإن حفظ بعضها عن التلف. كما ترون النيام هموداً لا يتحركون. فلا فخر أعظم من ذلك في الدنيا، ولا عيش أرغد منه في الآخرة.

قال الحراليّ: فكأنه تعالى ينفي عن المجاهد منال المكروه من كل وجه، حتى في أن يقال عنه: ميت، فحماه من القول الذي هو عندهم من أشد غرض أنفسهم، لاعتلاق أنفسهم بجميل الذكر. انتهى. ولذا قال الأصم: يعني لا تسموهم بالموتى، وقولوا لهم: الشهداء الأحياء. وقال الراغب الأصفهاني: الحياة على أوجه. وكل واحد منها يقابله موت. الأولى: هو القوة النامية التي بها الغذاء، والشهوة إليه. وذلك موجود في النبات والحيوان والإنسان. ولذلك يقال: نبات حيّ. والثانية: في القوة الحاسة التي بها الحركة المكانية. وهي في الحيوان دون النبات. والثالثة: القوة العاملة العاقلة. وهي في الإنسان دون الحيوان والنبات. وبها يتعلق التكليف. وقد يقال للعلم المستفاد والعمل الصالح: حياة. وعلى ذلك قوله تعالى:ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [الأنفال: 24] وقيل: المحسن حيّ وإن كان في دار الأموات. والمسيء ميت وإن كان في دار الأحياء. قال: ونعود إلى معنى الآية فنقول: قد أجمعوا على أنه لا يثبت لهم الحياة التي بها النموّ والغذاء، ولا الحياة التي بها الحس. فإن فقدانهما عن الميت محسوس ومعقول. فبعض المفسرين اعتبر الحياة المختصة بالإنسان، وقال: إن هذه الحياة مخصصة بالقوة المسماة تارة الروح وتارة النفس. قال: والموت المشاهد هو مفارقة هذه القوة، التي هي الروح، البدنَ. فمتى كان الإنسان محسناً كان منعّماً بروحه مسروراً لمكانه إلى يوم القيامة. وإن كان مسيئاً كان به معذباً. وإلى هذا ذهب الحكماء ودلوا عليه بالبراهين والأدلة. وهو مذهب أصحاب الحديث، ويدل على صحته الأخبار والآيات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3