الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } أرشد تعالى المؤمنين، إثر الأمر بالشكر في الآية قبل، بالاستعانة بالصبر والصلاة، لأن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها. أو في نقمة فيصبر عليها. كما جاء في الحديث: " عجباً للمؤمن لا يُقضى له قضاء إلا كان خيراً له. إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له. وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له " وبيّن تعالى أنّ أجود ما يستعان به على تحمل المصائب في سبيل الله، الصبر والصلاة. كما تقدم في قوله:وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } [البقرة: 45] وفي الحديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمْرٌ صلّى " ثم إن الصبر صبران: صبر على ترك المحارم والمآثم. وصبر على فعل الطاعات والقربات. والثاني أكثر ثواباً. لأنه المقصود. وأما الصبر الثالث: وهو الصبر على المصائب والنوائب، فذاك أيضاً واجب. كالاستغفار من المعائب.

وقال الإمام ابن تيمية في كتابه " السياسة الشرعية ": وأعظم عون لوليّ الأمر خاصةً، ولغيره عامةً ثلاثة أمور: أحدها: الإخلاص لله، والتوكل عليه بالدعاء وغيره. وأصل ذلك المحافظة على الصلاة بالقلب والبدن. والثاني: الإحسان إلى الخلق بالنفع والمال الذي هو الزكاة. والثالث: الصبر على الأذى من الخلق وغيره من النوائب. ولهذا يجمع الله بين الصلاة والصبر كثيرا كقوله تعالى:وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [البقرة: 45]، وكقوله تعالى:وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ * وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [هود: 114-115]، وقوله:فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [طه: 130]، وأما قِرانُهُ بين الصلاة والزكاة في القرآن فكثير جداً. فبالقيام بالصلاة والزكاة والصبر يصلح حال الراعي والرعية. إذا عرف الإنسان ما يدخل في هذه الأسماء الجامعة، يدخل في الصلاة من ذكر الله تعالى ودعائه وتلاوة كتابه وإخلاص الدين له والتوكل عليه، وفي الزكاة الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع: من نصر المظلوم وإعانة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج. وفي الصبر احتمال الأذى وكظم الغيظ والعفو عن الناس ومخالفة الهوى وترك الشر والبطر. انتهى.

{ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } قال الإمام ابن تيمية: في (شرح حديث النزول): لفظ المعية في كتاب الله جاء عاماً كما في قوله تعالى:وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4]، وفي قوله:مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7] إلى قوله:إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ } [المجادلة: 7]، وجاء خاصاً كما في قوله:إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [النحل: 128]، وقوله:إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [طه: 46]، وقوله:لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } [التوبة: 40]، فلو كان المراد بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص.

السابقالتالي
2