الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } قال ابن جرير: أي: اذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لكم. وقد كان بعضهم يتأول ذلك أنه من الذكر بالثناء والمدح. وقال القاشاني: اذكروني بالإجابة والطاعة، أذكركم بالمزيد والتوالي، وهي بمعنى ما قبله. وقوله: { وَٱشْكُرُواْ لِي } قال ابن جرير: أي اشكروا لي فيما أنعمت عليكم من الإسلام والهداية للدين الذي شرعته. وقوله: { وَلاَ تَكْفُرُونِ } أي: لا تجحدوا إحساني إليكم فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم.

قال السمرقندي: أي اشكروا نعمتي: أن أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، ولا تجحدوا هذه النعمة، ويقال: النعمة، في الحقيقة. هي العلم، وما سواه فهو تحول من راحة إلى راحة. وليس بنعمة، والعلم لا يملّ منه صاحبه، بل يطلب منه الزيادة، فأمر الله تعالى بشكر هذه النعمة، وهي نعمة بعثة رسولاً يعلمهم الكتاب والحكمة، كما قصه الحراليّ. ولما كان للعرب ولع بالذكر لآبائهم ولوقائعهم، جعل، تعالى ذكره، لهم عوض ما كانوا يذكرون، كما جعل كتابه عوضاً من أشعارهم. وعزّ عزائمهم لذلك بما يسرهم به من ذكره لهم.

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل: أنا مع عبدي حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إليّ شبراً اقتربت إليه ذراعاً، وإن اقترب إليّ ذراعاً اقتربت إليه باعاً، فإن أتاني يمشي أتيته هرولة " صحيح الإسناد أخرجه البخاريّ أيضاً.

وروى مسلم عن أبي سعيد الخدريّ وأبي هريرة: أنهما شهدا على النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ".

والآثار في فضل الذكر متوافرة. ويكفي فيه هذه الآية الكريمة.

تنبيه

قال النووي رحمه الله تعالى: اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها. بل كل عامل لله تعالى بطاعةٍ، فهو ذاكر لله تعالى. كذا قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه، وغيره من العلماء. وقال عطاء رحمه الله: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام. كيف تشتري وتبيع، وتصلي وتصوم، وتنكح وتطلّق. وأشباه هذا. وقال النووي أيضاً: إن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبة كانت أو مستحبة، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع، لا عارض، وقد صنف، في عمل اليوم والليلة، جماعة من الأئمة كتباً نفيسة.

السابقالتالي
2 3