الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ } وقوله تعالى: { فِيكُمْ } المراد به العرب. وكذلك قوله: { مِّنْكُمْ }.

وفي إرساله فيهم ومنهم نِعَمٌ عظيمة عليهم لما لهم فيه من الشرف، ولأن المشهور من حال العرب الأنَفة الشديدة من الانقياد للغير، فبعثه الله تعالى من واسطتهم ليكونوا إلى القبول أقرب { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } يقرأ عليكم القرآن الذي هو من أعظم النعم، لأنه معجزة باقية. ولأنه يتلى فتتأدى به العبادات ويستفاد منه جميع العلوم، ومجامع الأخلاق الحميدة، فتحصل من تلاوته كل خيرات الدنيا والآخرة { وَيُزَكِّيكُمْ } أي: يطهركم من الشرك وأفعال الجاهلية وسفاسف الأخلاق { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ } وهو القرآن، وهذا ليس بتكرار، لأن تلاوة القرآن عليهم غير تعليمه إياهم { وَٱلْحِكْمَةَ } وهي العلم بسائر الشريعة التي يشتمل القرآن على تفصيلها. ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه: الحكمة هي سنة الرسول.

وقوله: { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } تنبيه على أنه تعالى أرسل رسوله على حين فترة من الرسل، وجهالةٍ من الأمم، فالخلق كانوا متحيرين ضالين في أمر أديانهم. فبعث الله تعالى النبيّ بالحق. حتى علمهم ما احتاجوا إليه في دينهم، فصاروا أعمق الناس علماً وأبرهم قلوباً وأقلهم تكلفاً وأصدقهم لهجة، وذلك من أعظم أنواع النعم. قال تعالى:لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } [آل عمران: 164] الآية. وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة فقال تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [إبراهيم: 28] قال ابن عباس يعني: بنعمة الله، محمداً صلى الله عليه وسلم. ولهذا ندب الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره، وقال:

{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي... }.