الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

{ وَقَالُواْ } أي: أهل الكتاب من اليهود والنصارى: { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } نشرٌ لما لفّته الواو في { وَقَالُواْ } ، واليهود جمع هائد، كعوذ جمع عائذ. وقرئ: " إلا من كان يَهُودياً أو نَصْرانياً ". { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } جملة معترضة مبينة لبطلان ما قالوا. والأمانيّ جمع أمنية وهي ما يتمنى. كالأعجوبة والأضحوكة. فإن قيل: قوله: { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ } أمنية واحدة، فلمَ قال: أمانيهم؟ أجيب: بأن الجمع باعتبار صدوره عن الجميع، وأجاب صاحب الانتصاف: بأنهم لشدة تمنيهم هذه الأمنية ومعاودتهم لها وتأكدها في نفوسهم، جمعت، ليفيد جمعها أنها متأكدة في قلوبهم، بالغة منهم كل مبلغ، والجمع يفيد ذلك، وإن كان مؤداه واحداً. ونظيره قولهم: مِعيً جياعٌ، فجمعوا الصفة، ومؤادها واحد؛ لأن موصوفها واحد، تأكيداً لثبوتها وتمكنها. وهذا المعنى أحد ما روى في قوله تعالى:إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } [الشعراء: 54] فإنه جمع (قليلاً) وقد كان الأصل إفراده فيقال: " لشرذمة قليلة " كقوله تعالى:كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ } [البقرة: 249] لولا ما قصد إليه من تأكيد معنى القلة بجمعها. ووجه إفادة الجمع في مثل هذا للتأكيد، أن الجمع يفيد بوضعه الزيادة في الآحاد، فنقل إلى تأكيد الواحد، وإبانة زيادته على نظرائه، نقلاً مجازياً بديعاً. فتدبر هذا الفصل فإنه من نفائس صناعة البيان. والله الموفق.

{ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } في دعواكم. قال الرازي: دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفياً أو إثباتاً، فلا بد له من الدليل والبرهان، وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد، قال الشاعر:
من ادَّعى شيئاً بلا شاهدٍ   لا بد أن تَبْطُلَ دعواهُ
انتهى كلام الرازيّ. وسبقه إلى ذلك الزمخشريّ حيث قال: وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين، وإن كل قول لا دليل عليه، فهو باطل غير ثابت. انتهى.