الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } أي: ما نبدل من آية بغيرها - كنسخنا آيات التوراة بآيات القرآن - { أَوْ نُنسِهَا } أي: نذهبها من القلوب - كما أخبر بقوله:وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } [المائدة: 13] - وقرئ: " أو نُنسأها " أي: نؤخرها ونتركها بلا نسخ، كما أبقى كثيراً من أحكام التوراة في القرآن. وعلى هذه القراءة، فقد نشر على ترتيب هذا اللف قوله: { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } أي: من المنسوخة المبدلة - كما فعل في الآيات التي شرعت في الملة الحنيفية ما فيه اليسر، ورفع الحرج، والعنت - فكانت خيراً من تلك الآصار والأغلال. وقوله: { أَوْ مِثْلِهَا } أي: مثل تلك الآيات الموحاة قبل، كما يرى في كثير من الآيات في القرآن الموافقة لما بين يديها مما اقتضت الحكمة بقاءه واستمراره.

قال الراغب: فإن قيل: إن الذي تُرك ولم يُنْسَخ ليس مثله بل هو هو، فكيف قال بـ { مِثْلِهَا }؟ قيل: الحكم الذي أنزل في القرآن - وكان ثابتاً في الشرع الذي قبلنا - يصح أن يقال هو هو، إذا اعتبر بنفسه ولم يعتبر بكسوته - التي هي اللفظ. ويصح أن يقال: هو مثله إذا لم يعتبر بنفسه فقط بل اعتبر باللفظ، ونحو ذلك أن يقال: ماء البئر هو ماء النهر - إذا اعتبر جنس الماء، وتارة يقال: مثل ماء النهر - إذا اعتبر قرار الماء. ا.هـ. على أن إرادة العين بالمثل شائعة - كما في قولهم: مثلك لا يبخل.

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فهو يقدر على الخير، وما هو خير منه، وعلى مثله في الخير.

قال الراغب: أي: لا تحسبن أن تغييري لحكم، حالاً فحالاً، وأني لم آت بالثاني في الابتداء - هو العجز؛ فإن من علم قدرته على كل شيء لا يظن ذلك. وإنما تغير ذلك يرجع إلى مصلحة العباد، وأن الأليق بهم، في الوقت المتقدم، الحكم المتقدم. وفي الوقت المتأخر، الحكم المتأخر.