الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } تصريح بما طوى قبلُ، فإن نبذهم العهود التي تقدم الله إليهم في التمسك بها والقيام بحقها، أعقبهم التكذيب بالرسول المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، الذي في كتبهم نعته، كما قال تعالى:ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [الأعراف: 157] الآية، فتنكير: " رسول " للتفخيم. والجار بعده متعلق بجاء، أو بمحذوف وقع صفة لرسول، لإفادة مزيد تعظيمه بتأكيد ما أفاده التنكير من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية، وقوله: { كِتَٰبَ ٱللَّهِ } يعني التوراة، لأنهم بكفرهم برسول الله، المصدق لما معهم، كافرون بها، نابذون لها، وقيل: { كِتَٰبَ ٱللَّهِ } القرآن نبذوه بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول. وقوله: { وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } مثل لتركهم وإعراضهم عنه، مثّل بما يرمي به وراء الظهر استغناءً عنه، وقلة التفاوت إليه. وقوله: { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } جملة حالية، أي: نبذوه وراء ظهورهم، مشبَّّهين بمن لا يعلمه. فإن أريد بهم أحبارهم، فالمعنى كأنهم لا يعلمونه على وجه الإيقان، ولا يعرفون ما فيه من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم. ففيه إيذان بأن علمهم به رصين، لكنهم يتجاهلون، أو كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله، أو لا يعلمون أصلاً، كما إذا أريد بهم الكل. وفي هذين الوجهين، زيادة مبالغة في إعراضهم عما في التوراة من دلائل النبوة، وهذا، وإن أريد بما نبذوه من كتاب الله القرآن، فالمراد بالعلم المنفي في { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } هو العلم بأنه كتاب الله، ففيه ما في الوجه الأول من الإشعار بأنهم متيقنون في ذلك، وإنما يكفرون به مكابرة وعناداً. وقوله تعالى:

{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ... }.