الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً }

{ فَأَتْبَعَ سَبَباً } قرئ بقطع الهمزة وسكون التاء. وقرئ بهمزة الوصل وتشديد التاء. فقيل: هما بمعنى ويتعديان لمفعول واحد. وقيل: { أَتْبَعَ } بالقطع يتعدى لاثنين. والتقدير: فأتبع سبباً سبباً آخر. أو فأتبع أمره سبباً كقوله:وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } [القصص: 42].

وقال أبو عبيدة: اتبع (بالوصل) في السير وأتبع (بالقطع) معناه: اللحاق كقوله:فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [الصافات: 10] وقال يونس: أتبع (بالقطع) للجد الحثيث في الطلب و(بالوصل) مجرد الانتقال. والفاء في قوله: { فَأَتْبَعَ } فاء الفصيحة. أي: فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً يوصله، لقوله: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ } أي: أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض { وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } أي: ذات حمأة وهو الطين الأسود، وقرئ (حامية) أي: حارة. وقد تكون جامعة للوصفين و(وَجَدَ) يكون بمعنى (رأى) لما ذكره الراغب { وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً } أي: أمة. ثم أشار تعالى إلى أنه مكنه منهم، وأظهره بهم، وحكمه فيهم، وجعل له الخيرة في شأنهم، بقوله: { قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ } أي: بالقتل وغيره { وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } بالعفو. ثم بين تعالى عدله وإنصافه، ليحتذى حذوه، بقوله سبحانه: { قَالَ أَمَّا مَن... }.