الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

{ وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } أي: صحائف الأعمال بين يدي الله بحضرة الخلائق { فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ } أي: خائفين أن يفتضحوا { مِمَّا فِيهِ } أي: من أعمالهم السيئة المسطرة { وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا } أي: هلكتنا وحسرتنا على ما فرطنا في أعمارنا. قال القاشانيّ: يدعون الهلكة التي هلكوا بها من أثر العقيدة الفاسدة والأعمال السيئة { مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } أي: أيّ شأن حصل له، فلا يترك ذنباً صغيراً ولا كبيراً إلا ضبطه وحفظه. والاستفهام مجاز عن التعجب في إحصائه كل المعاصي، وعدّه مقاديرها وأوصافها، وعدم تسامحه في شيء منها.

قال البقاعي عليه الرحمة: إن لام الجر رسمت مفصولة (يعني: في الرسم العثماني)، إشارة إلى أنهم لشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة. وهذا من لطائفه رحمه الله. { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } أي: مكتوباً في الصحف تفصيلاً، من خير وشر. كما قال تعالى:يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [آل عمران: 30] الآية. وقال:يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [القيامة: 13].

{ وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } أي: فيكتب عليه ما لم يعلمه، أو يزيد في عقابه. ثم أشار تعالى إلى أن الكفر والعصيان مصدره طاعة الشيطان، وإيثاره على الرحمن. والشيطان أعدى الأعداء وأفسق الفساق. فلا يتولاه إلا من سفه نفسه، وحاد عن جادة الصواب، فقال سبحانه: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ.... }.