الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً }

{ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } أي: بإهلاكه فلم يبق له فيها ثمرة. قال الزمخشريّ: (أحيط به) عبارة عن إهلاكه. وأوصله (من أحاط به العدو) لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه. ثم استعمل في كل إهلاك ومنه قوله تعالى:إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [يوسف: 66]. ومثله قولهم: (أتى عليه) إذا أهلكه. من (أتى عليهم العدو) إذا جاءهم مستعليا عليهم. يعني: إنه استعارة تمثيلية. شبه إهلاك جنتيه بما فيهما بإهلاك قوم بجيش عدو أحاط بهم وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم. كما أن (أتى عليهم) بمعنى: أهلكهم استعارة أيضاً، من إتيان عدو غالب مستعل عليهم بالقهر.

{ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا } أي: فعيّر نفسه أكثر من تعييره صاحبه وتعيير صاحبه إياه. قال الزمخشريّ: تقليب الكفين: كناية عن الندم والتحسر؛ لأن النادم يقلب كفيه ظهرا لبطن. كما كني عن ذلك بِعضٍّ الكف، والسقوط في اليد. ولأنه في معنى الندم, عدّي تعديته بـ (على) كأنه قيل: فأصبح يندم على ما أنفق فيها، أي: في عمارتها. فيكون ظرفا لغواً. ويجوز كونه ظرفاً مستقرّاً متعلقه خاص، وهو حال. أي: متحسراً. والتحسر الحزن. وهو أخص من الندم؛ لأنه - كما قال الراغب - الغم على ما فات.

{ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي: ساقطة عليها. (والعروش) جمع عرش وهو ما يصنع ليوضع عليه شيء. فإذا سقط سقط ما عليه. يعني: أن كرومها المعروشة , سقطت عروشها على الأرض وسقطت فوقها الكروم، بحيث قاربت أن تصير صعيداً زلقاً { وَيَقُولُ } عطف على (يقلب) { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } أي: من الأوثان. وذلك أنه تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أُتَي من جهة شركه وطغيانه. فتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك الله بستانه.