الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً }

{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } أي: بتبليغ ما فيه. ومنه ما أوحي إليك من نبأ الفتية، فإنه الحق الذي لا يحتاج معه إلى استفتاء فيه.

قال القاشانيّ: يجوز أن تكون { مِن } لابتداء الغاية. و { كِتَابِ } هو اللوح الأول المشتمل على كل العلوم الذي منه أوحي إلى من أوحي إليه، وأن تكون بياناً لما أوحي { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } أي: لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل.

قال القاشانيّ: (كلماته) التي هي أصول التوحيد والعدل وأنواعهما.

وقصده دفع ما يرد من وقوع نسخ بعض الشرائع السابقة باللاحقة وتبديلها بها. فأشار إلى أن النسخ إنما هو في الفروع لا الأصول.

والأظهر في معنى الآية؛ أنه لا أحد سواه يبدل حكمه كقوله:لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } [الرعد: 41] وأما هو سبحانه فهو فعّال لما يريد { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } أي: ملجأً.

وذهب ابن جرير في تفسير هذه الآية مذهباً دقيقاً قال: يقول تعالى لنبيه: واتبع ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا، ولا تتركنّ تلاوته واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه والعمل بحلاله وحرامه، فتكون من الهالكين. وذلك أن مصير من خالفه وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } يقول لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنزلها عليك، أهلَ معاصيه والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك. وقوله: { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } يقول وإن أنت لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتمّ به، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده، لن تجد من دون الله موئلاً تئل إليه، ومعدلاً تعدل عنه إليه؛ لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه , لا يقدر أحد منهم على الهروب من أمر أراد به. انتهى.

تنبيه

لهؤلاء الفتية أصحاب الكهف ذكر في تواريخ المسيحيين وعيد سنويّ يقام تذكاراًَ لهم، في اليوم السابع والعشرين من شهر تموز. لكونهم اضطهدوا من قبل الأمراء اليونانيين؛ لإيمانهم بالله تعالى وحده ودخولهم في الملة المسيحية ورفضهم الوثنية التي كانت عليها اليونان. وقد رأيت في كتاب (الكنز الثمين في أخبار القديسين) ترجمة عن أحوالهم واسعة تحت عنوان (فيما يخص السبعة القديسين الشهداء الذين من أفسس) نقتطف منها ما يأتي، دحضاً لدعوى من يفتري أن نبأهم لا يعرف أصلاً، كما قرأته في بعض كتب الملحدين.

قال صاحب الترجمة: هؤلاء الشهداء السبعة كانوا إخوة بالجسد. وأسماؤهم: مكسيميانوس ومالخوس. ومرتينيانوس. وديونيسيوس. ويوحنا. وسارابيون. ثم قسطنطين. هؤلاء الشباب قربوا حياتهم ضحية من أجل المسيح, بالقرب من مدينة أفسس، نحو سنة (252) مسيحية. في زمن الاضطهاد القاسي الذي صنعه ضد المسيحيين، الملك داكيوس. وقد أَجَلّهم المسيحيون كشهداء حقيقيين.

السابقالتالي
2 3