الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً }

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أي: يعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } أي: يوم القيامة. يُنْشِئُهُمْ نشأة أخرى ويعيدهم كما بدأهم. والمعنى: قد علموا بدليل العقل أن من قدر على خلق السماوات والأرض، فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس. لأنهم ليسوا بأشد خَلْقاً منهن. كما قال:ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ } [النازعات: 27] ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. بل هي أهون.

قال الشهاب: ولا حاجة إلى جعل (مثل) هنا كناية عنهم. كقوله: (مثلك لا يبخل) مع أنه صحيح. ولو جعل خلق مثلهم عبارة عن الإعادة، كان أحسن { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } أي: جعل لإعادتهم وإقامتهم من قبورهم أجلاً مضروباً ومدة مقدرة لابد من انقضائها. كما قال تعالى:وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } [هود: 104] { فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ } أي: بعد قيام الحجة عليهم ووضوح الدليل: { إِلاَّ كُفُوراً } أي: جحوداً وتمادياً في باطلهم وضلالهم.

لطيفة

قال الشهاب: هذه الجملة - جملة { وَجَعَلَ } إلخ - معطوفة على جملة { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } لأنها وإن كانت إنشائية، فهي مؤولة بخبرية - كما في (شرح الكشاف) إذ معناها: قد علموا بدلالة العقل أنه قادر على البعث والإعادة { وَجَعَلَ لَهُمْ } أي: لإعادتهم { أَجَلاً } وهو يوم القيامة يعني أنهم علموا إمكانها وإخبار الصادق بها وضربه لها أجلا. فيجب التصديق به. أو جعل لهم أجلاً، وهو الموت والانسلاخ عن الحياة. ولا يخفى على عاقل أنه لم يخلق عبثا. فلا بد أن يجزى بما عمله في هذه الدار. فلا معنى للإنكار. فظهر ارتباط المتعاطفين، لفظاً ومعنى و { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } ظاهر على الثاني. وعلى الأول معناه: لا ينبغي إنكاره لمن تدبر. وقيل: إنها معطوفة على قوله: { يَخْلُقَ }.