الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } * { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } * { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } * { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }

{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } أي: تشقق لنا من أرض مكة عيوناً { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ } أي: بستان منهما { فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } وإنما قدموا في عنتهم هذا المقترح، لأنهم كانوا يَرِدُونَ بلاد الشام والعراق، ويرون ما فيها من البساتين والأنهار.

قال ابن جرير فيما رواه، إنهم قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق منا بلاداً، ولا أقل مالاً. ولا أشد عيشاً منا. فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا. وليفجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق. ثم زادوا في الاقتراح فقالوا: { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } أي: قطعاً بالعذاب { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } أي: كفيلا بما تقول، شاهداً بصحته { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } أي: ذهب { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ } أي: وحده { حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } أي: كتاباً من السماء، فيه تصديقك { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } أي: تنزيها له. والمراد به التعجب من اقتراحاتهم { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } أي: كسائر الرسل. وكانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات، حسبما يلائم حال قومهم. ولم يمكن أمر الآيات إليهم، ولا لهم أن يتحكموا على الله بشيء منها.

تنبيه

لا يخفى ما في اقتراح هذه الآيات من الجهل الكبير بسنة الله في خلقه، وبحكمته وجلاله. وبيان ذلك - كما في كتاب (لسان الصدق) - أن ما اقترحته قريش فيها (منه) ما أرادوا به مصلحتهم دون مصلحة العباد مما يخالف حكمة الله تعالى المقتضية لإخلاء بعض البقاع من العيون النابعة والأنهار الجارية والجنان الناضرة دون بعض وإرساء الجبال الشم في موضع دون آخر، لمصالح يعلمها هو جلت عظمته. ولا يعلمها الخلق. فليس مقترحهم هذا من العجز في شيء. مع أن مثله لا تثبت به النبوة. فإننا نعلم أن أناسا قد استنبطوا العيون وغرسوا الجنان من النخيل والأعناب ونحتوا الجبال ولم يكونوا بذلك أنبياء (ومنه) ما يناقض إرادة الله سبحانه وهو قولهم: { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } فإن إنزال السماء قطعاً مقتضٍ لهلاك العالم بحذافيره. والله يريد إبقاءه إلى أجل معلوم (ومنه) ما هو مستحيل في نفسه غير ممكن وقوعه أصلا وهو قولهم: { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } فإن الإتيان بالله والملائكة حتى يشاهدهم المشركون أو غيرهم مما لا يمكن أن يكون. فلا يجوز طلبه، وليس من أنواع المعجز (ومنه) ما لا يصلح للأنبياء، ولو حصل لم يكن معجزاً وهو قولهم: { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } فإن هذا غير صالح للأنبياء.

السابقالتالي
2