الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }

{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } أي: مدخلاً حسناً مرضياً بلا آفة { وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } أي: مُخرجاً حسناً مرضياً من غير آفة الميل إلى النفس، ولا الضلال بعد الهدى. { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } أي: عزاً ناصراً للإسلام على الكفر، مظهراً له عليه.

وقد رأى المهايميّ ارتباط الآية بما قبلها في معناها حيث قال: { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي } أي: في هذه العبادات فإنها لا توصلك إلى المقام المحمود، إلا إذا صدق دخولك فيها وخروجك عنها. ولا يتم إلا بإمداد الله بعد استمدادك منه. وقولك: { رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } أي: بمشاهدتك في هذه العبادات، وتخليتي عن الرياء والعجب، وتصفيتي بإخلاص العمل، وإخلاص طلب الأجر، ورؤية المنة لله، ورؤية التقصير فيها. { وَأَخْرِجْنِي } عنها { مُخْرَجَ صِدْقٍ } فلا تستعملني فيما يحبطها عليَّ، ولا تردني على نفسي. وإذا غلبني الشيطان أو النفس أو الخلق، أو وردت عليَّ شبهة، فاجعل لي من لدنك، لا من عند فِكرِي، { سُلْطَاناً } أي: حجة { نَّصِيراً } ينصرني على ما ذكر. ليبقي علي عبادتي فيوصلني إلى المقام المحمود. انتهى.

واللفظ الكريم محتمل لذلك. ويظهر لنا أنه إشارة للهجرة كما ستراه.

{ وَقُلْ } أي استبشاراً بقرب الظفر والنصر، وترهيباً للمشركين { جَآءَ ٱلْحَقُّ } وهو الوعد بالسلطان النصير والإسلام ودولته { وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } أي: ذهب وهلك. وهو الشرك وجولته { إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } أي: مضمحلاَّ غير ثابت في كل وقت.

تنبيه

سياق هذه الآيات، مع سياقها أعني قوله تعالى:وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ } [الإسراء: 76] يدل على أن نزولها في أوقات الاهتمام للهجرة إلى المدينة، ومبارحة مكة، وأنه تعالى أمر نبيَّه بأن يبتهل إليه في تيسير إدخاله لمهاجَره على ما يرضيه، وإخراجه من بلده كذلك. وأن يجعل له حماية من لدنه، تعزّ جانبه وتعصمه ممن يرومه بسوء.

وأسلوب التنزيل العزيز في مثل هذا الدعاء، هو إرادة الخبر بحصول المدعوّ، ومشيئة الله بوقوعه عن قرب. ولذلك عقبه بقوله: { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } إعْلاَماً بأن الأمر تم، والفرج جاء، ودحر الباطل ورجع إلى أصله، وهو العدم.

روى الحافظ أبو يعلى عن جابر رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة. وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما، تعبد من دون الله. فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبّت على وجوهها. وقال: { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }. ورواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود، بنحوه.

قال في (الإكليل) فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند إزالة المنكر.

ثم بيّن تعالى خسار المشركين، بإعراضهم عما يشفي أمراضهم المعنوية، وهو القرآن الكريم، ونجاح المؤمنين بالاستشفاء بهداه ورحمته، بقوله:

{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ... }.