الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }

{ وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } أمر له بصلاة الليل، إثر أمره بالصلوات الخمس. وفي { مِنَ } وجهان: أحدهما: أنها متعلقة بـ (تهجد) أي: تهجد بالقرآن بعض الليل. والثاني: أنها متعلقة بمحذوف عطف عليه (فتهجد). أي: قم من الليل أي: في بعضه فتهجد بالقرآن. والتهجد ترك الهجود وهو النوم، و (تفعّل) يأتي للسلب كـ (تأثَّم وتحرَّج)، بمعنى ترك الإثم والحرج. قال الأزهريّ: المعروف في كلام العرب أن الهاجد النائم. وأما المتهجد فهو القائم إلى الصلاة من النوم. وكأنه قيل له: (متهجد) لإلقائه الهجود عن نفسه. كما يقال للعابد: (متحنث) لإلقائه الحنث عن نفسه. انتهى.

ونقل عن ابن فارس: أن معناه صلّ ليلا. وكذا عن ابن الأعرابيّ قال: هجد الرجل وتهجد، إذا صلى بالليل. والمعروف الأول. والضمير في { بِهِ } للقرآن من حيث هو، لا بقيد إضافته إلى الفجر، أو للبعض المفهوم من (من) والباء بمعنى (في) أي: تهجد في ذلك البعض. وقوله تعالى: { نَافِلَةً لَّكَ } أي: عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس.

قال الزمخشري: وضع { نَافِلَةً } موضع (تهجدا) لأن التهجد عبادة زائدة. فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد. والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة، فريضة عليك خاصة دون غيرك؛ لأنه تطوع لهم. انتهى.

قال أبو السعود: ولعله هو الوجه في تأخير ذكرها عن ذكر صلاة الفجر، مع تقدم وقتها على وقتها.

وقوله تعالى: { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } أي: يحمده القائم فيه وكل من رآه وعرفه. وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات. والمشهور أنه مقام الشفاعة العظمى، للفصل بين الخلائق الذي يحمده فيه الأولون والآخرون. كما وردت به الأخبار الصحيحة. ومعنى النظم الكريم على هذا: كما انبعثت من النوم الذي هو الموت الأصغر، بالصلاة والعبادة، فسيبعثك ربك من بعد الموت الأكبر، مقاماً محموداً، عندك وعند جميع الناس. وفيه تهوين لمشقة قيام الليل. أشار له أبو السعود.

تنبيه

قال ابن جرير: ذهب آخرون إلى أن ذلك المقام المحمود، الذي وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إياه، هو أن يجلسه معه على عرشه، رواه ليث عن مجاهد. وقد شنع الواحديّ على القائل به، مع أنه رواه عن ابن مسعود أيضاً وعبارته - على ما نقلها الرازيّ - وهذا قول رذل موحش فظيع، ونص الكتاب ينادي بفساد هذا التفسير ويدل عليه وجوه:

الأول: أن البعث ضد الإجلاس، يقال: بعثت النازل والقاعد فانبعث. ويقال: بعث الله الميت، أي: أقامه من قبره. فتفسير البعث بالإجلاس تفسير للضد بالضد وهو فاسد.

الثاني: أنه تعالى قال: { مَقَاماً مَّحْمُوداً } ولم يقل مقعداً. والمقام موضع القيام لا موضع القعود.

السابقالتالي
2 3 4 5