الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } أي: علما، فلا يخفى عليه شيء من كفرهم وتكذيبهم. ومنه ما جرى منهم، إثر الرؤيا والإخبار بالشجرة، من الجحود والهزء واللغو. كما قال سبحانه: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } قال الأكثرون: يعني ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الآيات. فلما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للناس، أنكر بعضهم ذلك وكذّبوا. وجعل الله ذلك ثباتاً ويقيناً للمخلصين. فكانت فتنة، أي: اختباراً وامتحاناً. وتمسك بهذا من جعل الإسراء مناما، لكون الرؤيا مخصوصة بالمنام. وأجيب بأن قوله تعالى: { إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } يرده؛ لأن رؤيا المنام لا يفتتن بها أحد ولا يكذّب. وجاء في اللغة (الرؤيا بمعنى الرؤية مطلقاً) وهو معنى حقيقيّ لها. وقيل: إنها حقيقة في رؤيا المنام ورؤيا اليقظة ليلاً. وقد ذكر السهيليّ؛ أنه ورد في كلام العرب بهذا المعنى. وأنه كالقربى والقربة. وقيل: إنه مجاز، إما مشاكلة لتسميتهم له رؤيا، أو جارٍ على زعمهم. أو على التشبيه بها لما فيها من خرق العادة. أو لوقوعها ليلاً. أو لسرعتها. أفاده الشهاب.

وروى الطبري عن الحسن في الآية هذه؛ قال: أسري به صلى الله عليه وسلم عشاء إلى بيت المقدس فصلى فيه وأراه الله ما أراه من الآيات. ثم أصبح بمكة فأخبرهم أنه أسري به إلى بيت المقدس. فقالوا له: يا محمد! ما شأنك؟ أمسيت فيه ثم أصبحت فينا تخبرنا أنك أتيت بيت المقدس؟ فعجبوا من ذلك حتى ارتد بعضهم عن الإسلام.

وقال قوم: الآية في رؤياه صلى الله عليه وسلم التي رأى أنه يدخل مكة. فروى الطبريّ عن ابن عباس. قال: يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِيَ أنه دخل مكة هو وأصحابه. وهو يومئذ بالمدينة. فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة. قبل الأجل: فرده المشركون. فقالت أناس: قد رُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان حدثنا أنه سيدخلها. فكانت رجعتهُ فتنتهمُ. وذلك عام الحديبية. ثم دخل مكة في العام المقبل. وأنزل الله عزّ وجل:لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ } [الفتح: 27] ولا يقال: إن السورة مكية وقصة الحديبية بعد الهجرة، لاحتمال أنه رأى تلك الرؤيا بمكة، ونزلت عليه هذه الآية. ولكنه ذكرها عام الحديبية؛ لأنه إذ ذاك بمكة. فعلم أن دخوله بعد خروجه منها. كذا قيل.

وذهب بعضهم إلى أن كثيراً من السور المكية ضم إليها آيات مدنية، كما في (الإتقان). والطبريّ رجح الأول وفاقاً للأكثر. وقد قدمنا مراراً؛ أن السلف قد يريدون بقولهم: (نزلت الآية في كذا)، أن لفظ الآية مما يشمل ذلك.

السابقالتالي
2