الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } أي: بعد هذه المؤاخذة الشديدة، رددنا، عند توبتكم، لكم الغلبة التي كانت لكم في الأصل، عليهم { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } أي: قوماً ورهطاً. جمع (نفر) أو اسم جمع له. وأصله مَن ينفر مع الرجل من قومه. وقوله تعالى: { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } بمثابة التعليل لما قبله. أي: فعلنا ذلك لتعلموا أنكم إن أحسنتم توبتكم وأعمالكم، أحسنتم لأنفسكم، بإبقاء الغلبة لها والإمداد بالأموال والبنين وتكثير النفير { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أي: فإساءتكم ضارة لها بغلبة الأعداء وسلب الأموال والبنين والنفير { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي: مؤاخذة المرة الآخرة وعقوبتها. وقوله تعالى: { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } متعلق بجواب (إذا) المحذوف. أي بعثناهم ليسوءُوا وجوهكم، أي: ذواتكم بالإذلال والقهر.

قال الشهاب: عديت المساءة إلى الوجوه، وإن كانت عليهم؛ لأن آثار الأعراض النفسانية إنما تظهر في الوجه. كنضارة الوجه وإشراقه بالفرح. وكلوحه وسواده بالخوف والحزن. فالوجه، بمعنى الذات، مجاز مرسل، أو استعارة تبعية. وقيل: الوجوه بمعنى الرؤساء وهو تكلف. واختير هذا على (لِيَسُوءُوكُمْ) مع أنه أخصر وأظهر، إشارة إلى أنه جمع عليهم ألم النفس والبدن، المدلول عليه بقوله: { وَلِيُتَبِّرُواْ }. انتهى.

وقوله تعالى: { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ } أي: الأقصى { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ } أي: يدمروا { مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } أي: عظيماً فظيعاً، والتتبير: التدمير. وكل شيء كسرته وفتَّتهُ فقد تبرته. ثم أشار إلى أن فعله تعالى ليخلصوا توبتهم وأعمالهم بقوله { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } أي: إذا أخلصتم للإنابة، وأحسنتم الأعمال، وأقمتم الكتاب وما نزل إليكم، لأنكم علمتم من سنته تعالى أنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفعه إلا بتوبة. ولذا قال: { وَإِنْ عُدتُّمْ } أي: بعد هذه التوبة والإنابة إلى الاستكبار { عُدْنَا } أي: إلى تسليط الأعداء وسلب الأموال والأولاد في الدنيا.

{ وَجَعَلْنَا } أي: يوم القيامة { جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } أي: محبساً وسجناً يحصرهم في العذاب والحرمان عن الثواب.

قال الشهاب: إن كان - { حَصِيراً } - اسماً للمكان فهو جامد لا يلزم تذكيره وتأنيثه. وإن كان بمعنى حاصراً أي: محيطاً بهم، وفعيل بمعنى فاعل، يلزم مطابقته. فإما لأنه على النسب.، كلابن وتامر. أو لحمله على (فعيل) بمعنى (مفعول). أو لأن تأنيث جهنم غير حقيقيّ أو لتأويلها بمذكر. انتهى.

وقيل: حصيراً، أي: بساطا كما يبسط الحصير. مثل قوله تعالى:لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ } [الأعراف: 41] فهو تشبيه بليغ. والحصير بهذا المعنى بمعنى محصور لحصر بعض طاقاته على بعض. كما قاله الراغب.

تنبيه

روي أن بني إسرائيل كان الأمر مستتباً لهم في فلسطين إلى موت سليمان عليه السلام. فلما ملك ابنه بعده، وذلك قبل المسيح بما ينيف على تسعمائة سنة، وقع من الاختلال في عهده ما أفضى إلى تقريره عبادة الأوثان.

السابقالتالي
2 3