الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } * { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

{ سُبْحَانَهُ } فإنه صريح في أن المراد بيان أنه يلزم مما يقولونه محذور عظيم، من حيث لا يحتسبون. وأما ابتغاء السبيل إليه تعالى بالتقرب، فليس مما يختص بهذا التقرير، ولا هو مما يلزمهم من حيث لا يشعرون. بل هو أمر يعتقدونه رأساً. انتهى. ومعنى { سُبْحَانَهُ } أي: تنزه عن الولد والشريك تنزها حقيقاً به { وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } أي: تعاظم عن ذلك تعاظماً كبيراً. فإن مثل هذه الفرية والبهتان، مما يتنزه عنه مقامه الأسمى.

قال الشهاب: وذكرُ العلوّ، بعد عنوانه بـذِي ٱلْعَرْشِ } [الإسراء: 42]، في أعلى مراتب البلاغة. وقوله تعالى: { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } أي: تُنزِّه الله، وتقدسُهُ وتجلُّهُ السماواتُ والأرضُ ومن فيهن من المخلوقات عما يصفه به المشركون. وتشهد جميعها له بالوحدانية في إلهيته وربوبيته، كما قال:تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [مريم: 90-91] وقوله تعالى: { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } أي: لأنها بخلاف لغاتكم.

قال ابن كثير: وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات، على أشهر القولين. ثم استدل بما صح من تسبيح الطعام والحصا، مِمَّا خرج في الصحيحين والمسانيد، مما هو مشهور. واختاره الراغب في (مفرداته) وقال: إنه تسبيح على الحقيقة بدلالة قوله: { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } ودلالة قوله: { وَمَن فِيهِنَّ } بعد ذكر السماوات والأرض، لا يصح أن يكون تقديره (يسبح له من في السماوات ويسجد له من في الأرض) لأن هذا من نفقهه، ولأنه محال أن يكون ذلك تقديره، ثم يعطف عليه بقوله: { وَمَن فِيهِنَّ } والأشياء كلها تسبح له وتسجد بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار. والآية تدل على أن المذكورات تسبح باختيار، لما ذكر من الدلالة. انتهى.

وذهب كثيرون إلى أن التسبيح المذكور مجازيّ، على طريقة الاستعارة التمثيلية أو التبعية. كـ (نطقت الحال). فإنه استعير فيه للتسبيح للدلالة على وجود فاعل قادر حكيم واجب الوجود منزه عن الولد والشريك، كما يدل الأثر على مؤثره. فجعلت تلك الدلالة الحالية كأنها تنزيه له عما يخالفه.
وفي كل شيء له آية   تدل على أنه الواحد
قالوا: والخطاب في قوله تعالى: { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } للمشركين. أي: لإخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم. وقد بالغ في رد القول الأول واختيار الثاني، الإمام ابن حزم في كتابه (الملل والنحل) ولا بأس بإيراده، لما فيه من الغرائب.

قال رحمه الله في الرد على من قال: (إن في البهائم رسلاً): إنما يخاطب الله تعالى بالحجة من يعقلها. قال الله تعالى:يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ }

السابقالتالي
2 3