الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } * { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً }

{ كُلُّ ذٰلِكَ } أي: المنهيّ عنه من قوله { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } إلى هذه الغاية { كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } قال المهايميّ: أما الشرك فلإخلاله بالكمال المطلق الذي لا يتصور مع الشرك. وأما عبادة الغير فلما فيها من تعظيمه المخصوص بذي الكمال المطلق في معنى الشرك. وأما العقوق فلأنه كفران نعمة الأبوين في التربية، أحوج ما يكون المرء إليها. ومنع الحقوق بالبخل تفريط. والتبذير والبسط إفراط. وهما مذمومان، والذميم مكروه والقتل يمنع الحكمة من بلوغها إلى كمالها. والزنى وإتلاف مال اليتيم في معناه. ونقض العهد مخلّ بنظام العالم. وكذا اقتفاء ما لا يعلم. والتكبر من خواص الحق. وعادة الملوك كراهة أن يأخذ أحد من خواصه شيئاً. { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ } أي: مما يحكم العقل بصحته، وتصلح النفس بأسوته.

قال المهايميّ: أي: من العلم المحكم الذي لا يتغير بشبهة { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه. وأنه رأس كل حكمة وملاكها. ومَنْ عَدمهُ لم ينفعه علومه وحكمه.

قال أبو السعود: وقد رتب عليه ما هو عائدة الإشراك أوَّلاً حيث قيل:فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } [الإسراء: 22] ورتب عليه ههنا نتيجته في العقبى فقيل: { فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً } أي: بالجهل العظيم { مَّدْحُوراً } أي: مبعدا مطرودا من الرحمة. وفي إيراد الإلقاء مبنيّاً للمفعول، جرى على سنن الكبرياء، وازدراء بالمشرك وجعلٌ له، من قبيل خشبة يأخذها آخذ بكفه، فيطرحها في التنور. انتهى.