الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } * { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً }

{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي: لا تتبعه في قول أو فعل، تسنده إلى سمع أو بصر أو عقل. من (قفا أثره) إذا تبعه.

قال الزمخشريّ: والمراد النهي عن أن يقول الرجل ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم ويدخل فيه النهي عن التقليد دخولاً ظاهراً؛ لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساد. انتهى.

ولا يخفى ما يندرج تحت هذه الآية من أنواع كثيرة. كمذاهب الجاهلية في الإلهيات والتحريم والتحليل. وكشهادة الزور والقذف ورمي المحصنات الغافلات والكذب وما شاكلها { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } أي: كان صاحبها مَسْئولاً عما نسب إليها يوم القيامة. أو تُسأل نفس الأعضاء لتشهد على صاحبها.

قال المهايميّ: قدم السمع؛ لأن أكثر ما ينسب الناس أقوالهم إليه. وأخر الفؤاد؛ لأنه منتهى الحواس. ولم يذكر بقيتها لأنه لا يخالفها قول أو فعل.

{ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } أي: مختالاً. أي: مشية المعجب المتكبر. إذ لا يفيدك قوة ولا علواً، كما قال سبحانه: { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ } أي: لن تجعل فيها خرقاً بدوسك لها، وشدة وطأتك { وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } أي: لن تحاذيها بتطاولك ومدّ قامتك، كما يفعله المختال تكلفاً. وفي هذا تهكم بالمختال، وإيذان بأن ذلك مفاخرة مع الأرض وبعض أجزائها.

قال الناصر: وفي هذا التهكم والتقريع لمن يعتاد هذه المشية، كفاية في الانزجار عنها ولقد حفظ الله عوامَّ زماننا عن هذه المشية. وتورط فيها قراؤنا وفقهاؤنا. بينا أحدهم قد عرف مسألتين أو أجلس بين يديه طالبين، أو شدّ طرفا من رياسة الدنيا، إذا هو يتبختر في مشيه، ويترجع ولا يرى أنه يطاول الجبال، ولكن يحك بيافوخه عنان السماء، كأنهم يمرون عليها وهم عنها معرضون. وماذا يفيده أن يقرأ القرآن أو يُقْرَأ عليه، وقلبه عن تدبره على مراحل، والله ولي التوفيق.