الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } * { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }

{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }.

قال ابن كثير: لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم، عطف بذكر موسى عبده ورسوله وكليمه. فإنه تعالى كثيراً ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد عليهما السلام، وبين ذكر التوراة والقرآن. وقال الرازيّ: لما ذكر الله تعالى في الآية الأولى إكرامه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن أسرى به، ذكر في الآية أنه أكرم موسى عليه الصلاة والسلام قبله بالكتاب الذي آتاه. وقال الشهاب في (العناية): عقبت آية الإسراء بهذه، استطراداً بجامع أن موسى عليه الصلاة والسلام أعطي التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه؛ لأنه صح ثمة التكليم، وشرّف باسم الكليم مدمجاً فيه تفاوت ما بين الكتابين ومن أنزلا عليه. وإن شئت فوازن بينأَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } [الإسراء: 1]. { وَآتَيْنَآ مُوسَى } وبين { هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }. ويَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء: 9]. و (الواو) استئنافية أو عاطفة على جملةسُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ } [الإسراء: 1] إلخ لا على { أَسْرَىٰ } ، لبعده وتكلفه. وضمير { وَجَعَلْنَاهُ } للكتاب أو لموسى و { لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } متعلق بـ { هُدًى } أو بـ { وَجَعَلْنَاهُ } ، وهي تعليلية.

وقوله: { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } أي: ولياً ومعبوداً تكلون إليه أموركم؛ لأنه تعالى أنزل على كل نبيّ أرسله، أن يعبده وحده لا شريك له، وقد قرئ " ألا يتخذوا " بالياء على الغيبة على حذف لام التعليل. والتقدير: جعلناه هدى لئلا يتخذوا. وقرئ بالتاء على الخطاب. وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن (أَنْ) بمعنى أي. وهي مفسرة لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي.

الثاني: أن (أن) زائدة، أي قلنا: لا تتخذوا.

الثالث: أن (لا) زائدة، والتقدير: مخافة أن تتخذوا. والوكيل والموكول إليه. أي: المفوض إليه الأمور، وهو الرب. فـ (فعيل) بمعنى مفعول. و (دون) بمعنى غير. و (من) زائدة. أو تبعيضية. وقوله: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } نصب على الاختصاص أو النداء. وفيه تهييج وتنبيه على المنة. والإنعام عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح في السفينة. وإيماء إلى علة النهي. كأنه قيل: لا تشركوا به فإنه المنعم عليكم والمنجي لكم من الشدائد. وأنهم ضعفاء محتاجون إلى لطفه. وفي التعبير بـ (الذرية) الغالب إطلاقها على الأطفال والنساء، مناسبة تامة لما ذكر. وذكر حملهم في السفينة، للإشارة إلى أنه لم يكن لهم حينئذ وكيل يتكلون عليه سواه وقوله: { عَبْداً شَكُوراً } أي: لمعرفته بنعم الله واستعمالها على الوجه الذي ينبغي. وفيه إيماء بأن إنجاءه ومن معه كان ببركة شكره، وحث للذرية على الاقتداء به. وقيل: إنه استطراد.