الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } * { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً }

{ فَأَرَادَ } أي: فرعون { أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي: يفزعهم ويزعجهم بما يحملهم على خفة الهرب فَرَقاً منه. أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال. والضمير لموسى وقومه. و (الأرض) أرض مصر، أو الأرض التي أذن لهم بالمسير إليها وسكناها وهي فلسطين، وقوله تعالى: { فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } أي: فحاق به مكره؛ لأنه تعقبهم بجنوده بعد ما أذن لهم بالسفر من مصر إلى فلسطين، ليرجعهم إلى عبوديته، فدمره الله تعالى وجنوده بالإغراق { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ } أي: من بعد إغراقه { لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } وهي أرض كنعان، بلد أبيهم إسرائيل التي وعدوا بها.

قال ابن كثير: في هذا بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، مع أن السورة مكية نزلت قبل الهجرة. وكذلك وقع فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى:وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } [الإسراء: 76]. ولهذا أورث الله رسوله مكة فدخلها عنوة، على أشهر القولين، وقهر أهلها ثم أطلقهم حلماً وكرماً. كما أورث الله القوم، الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل، مشارق الأرض ومغاربها وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم كما قال:كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الشعراء: 59] وقال ههنا: { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } ، وقوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي: قيام الساعة { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } أي: جمعا مختلطين أنتم وعدوّكم. ثم يحكم بينكم ويميز بين سعدائكم وأشقيائكم. ثم نزه سبحانه ساحة القرآن أن يكون مفترى. وبيّن اشتماله على ما يلائم الفطر ويطابق الواقع، بقوله سبحانه:

{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ... }.