الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }

{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }. روى ابن جرير عن بريدة قال: نزلت في بيعة النبيّ صلى الله عليه وسلم. كان مَنْ أسلم بايع النبيّ على الإسلام، فأُمروا بالوفاء بهذه البيعة وأن لا ينقضوها بعد توكيدها بالإيمان. أي: لا يحملنكم قلة المؤمنين وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام. وظاهر أن العهد يتناول كل أمر يجب الوفاء بمقتضاه، مما يلتزمه المرء باختياره كالمبايعة على الإسلام. وعهد الجهاد وما التزمه من نذر وما أكده بِحلْف. وعلى هذا، فتخصيص اليمين بالذكر، للتنبيه على أنه أولى أنواع العهد بوجوب الرعاية. و (التوكيد والتأكيد)، لغتان فصيحتان. والأصل الواو، والهمزة بدل منها. والواو في قوله: { وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } للحال من فاعل { تَنقُضُواْ } أو من فاعل المصدر وإن كان محذوفاً. ومعنى: { كَفِيلاً } شهيداً رقيباً. و (الجعل) مجاز. فإن من حلف به تعالى وهو مطلع عليه فكأنه جعله شاهداً. قال الشهاب: ولو أبقى (الكفيل) على ظاهره، وجعل تمثيلاً لعدم تخلصهم من عقوبته، وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله، كما يقال: (من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه) تنبيهاً على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب - لكان معنى بليغاً جداً. وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } كالتفسير لما قبله. وفيه ترغيب وترهيب.

تنبيه

في الآية الحث على البرّ في الأيمان. وجليٌّ أنها فيما فيه طاعة وبرّ وتقوى. وأما فيما عدا ذلك فالخير في نقضها. وقد دل عليه ما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: " إني، والله! إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " وفي رواية: " وكفَّرت عن يميني " فالحديث في معنى، والآية في معنى آخر. فلا تعارض، كما وهم.