الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } * { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } * { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي: في جنسكم وشكلكم إناثا أزواجاً لتأنسوا بها وتحصل المودة والألفة والرحمة { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } أي: بنات وأولاد أولاد { وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } وهو منفعة الأصنام وشفاعتها { وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } أي: في إضافة نعمه إلى الأصنام، أو في تحريم ما أحل لهم { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً } أي: من مطر أو نبات و { شَيْئاً } نصب على المفعولية من (رزق) إن كان مصدراً، وإن جعل اسماً للمرزوق فـ { شَيْئاً } بدل منه بمعنى قليلاً. و { مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } متعلق بـ { يَمْلِكُ } على كون الرزق مصدراً: أو هو صفة لـ { رِزْقاً } { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } أي: أن يتملكوه. أوْ لا استطاعة لهم أصلاً. أو الضمير للمشركين. أي: ولا يستطيعون، مع أنهم أحياء متصرفون، فكيف بالجماد؟

{ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } أي: فلا تجعلوا له أنداداً وأمثالاً. والضرب للمثل فيه معنى الجعل. والأمثال جمع (مثل) بكسر فسكون على هذا، وقيل جمع (مَثَل) بفتحتين والآية استعارة تمثيلية للإشراك به. حيث جعل المشرك به الذي يشبهه بخلقه، بمنزلة ضارب المثل. فإن المشبه المخذول يشبه صفة بصفة، وذاتاً بذات. كما أن ضارب المثل كذلك. فكأنه قيل: ولا تشركوا. وعدل عنه لما ذكر، دلالة على التعميم في النهي عن التشبيه وصفاً وذاتاً. وفي لفظة { ٱلأَمْثَالَ } لمن لا مثال له، نعيٌ عظيم على سوء فعلهم. كذا في (شرح الكشاف).

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي: يعلم قبح ما تشركون وأنتم لا تعلمونه. ولو علمتموه لما جرأتم عليه، فهو تعليل للنهي. أو يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه. فدعوا رأيكم وقياسكم دون نصه. ولما نهاهم عن ضرب المثل الفعليّ وهو الإشراك، عقبه بالكشف لذي البصيرة، عن حالهم في تلك الغفلة، وحال من تابعهم، بقوله سبحانه:

{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً... }.