الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } * { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ }

{ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } أي: لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد { نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ } أي: من الزرع والأنعام وغيرهما تقربا إليها { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } أي: من أنها آلهة يُتقرب إليها. ومرّ نظير الآية في سورة الأنعام في قوله سبحانه:وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً } الآية [الأنعام: 136]، فانظر تفصيلها ثَمَّتَ { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } هذا بيان لعظيمة من عظائمهم، وهو جعلهم الملائكة الذين هم عباد الرحمن بنات لله، فنسبوا له تعالى ولدا ولا ولد له. واجترءوا على التفوه بمثل ذلك وعلى نسبة أدنى القسمين له من الأولاد، وهو البنات. وهم لا يرضونها لأنفسهم لأنهم يشتهون الذكور، أي: يختارونهم لأنفسهم ويأنفون من البنات. وقد نزه مقامه الأقدس عن ذلك بقوله: { سُبْحَانَهُ } أي: عن إفكهم وقولهم. وفيه تعجيب من جراءتهم على التفوه بهذا المنكر من القول، ومن مقاسمتهم لجلاله بالاستئثار كما قال سبحانه:أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [النجم: 21-22] وقال تعالى:أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [الصافات: 151-154]. ثم أشار إلى شدة كراهتهم للإناث، بما يمثل عظم تلك النسبة إلى الجناب الأقدس وفظاعتها، بقوله سبحانه وتعالى:

{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ... }.