{ وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ }. إعلام بنهيه الصريح عن الإشراك. وبأمره بعبادته وحده، وإنما خصص هذا العدد لأنه الأقل، فيعلم انتفاء ما فوقه بالدلالة. فإن قيل: الواحد والمثنى نص في معناهما، لا يحتاج معهما إلى ذكر العدد، كما يذكر مع الجميع. أي: في نحو رجال ثلاثة وأفراس أربعة؛ لأن المعدود عارٍ عن الدلالة على العدد الخاص، فلِمَ ذكر العدد فيهما؟ أجيب: بأن العدد يدل على أمرين: الجنسية والعدد المخصوص. فلما أريد الثاني صرّح به للدلالة على أنه المقصود الذي سيق الكلام وتوجه له النهي دون غيره. فإنه قد يراد بالمفرد الجنس نحو: نعم الرجل زيد. وكذا المثنى كقوله:
فإنّ النارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى
وإِنَّ الحربَ أَوَّلُهَا الْكَلاَمُ
وقيل: ذكر العدد للإيمان بأن الاثنَينيّة تنافي الألوهية. فهو في معنى قوله:{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] فلذا صرح بها، وعقبت بذكر الوحدة التي هي من لوازم الألوهية. قال الشهاب: ولا حاجة إلى جعل الضمير للمعبود بحق المراد من الجلالة على طريق الاستخدام. وقوله تعالى: { وَقَالَ ٱللَّهُ } معطوف على قوله:{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ } [النحل: 149] أو على قوله:{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ } [النحل: 44] وقيل: إنه معطوف على{ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } [النحل: 48] على أسلوب
*عَلَفْتُهاَ تِبْناً وَمَاءً بارِداَ*
أي:{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } [النحل: 48] ولم يسمعوا ما قال الله؟. ولا يخفي تكلفه. وفي قوله: { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } التفات عن الغيبة، مبالغة في الترهيب. فإن تخويف الحاضر مواجهة، أبلغ من ترهيب الغائب، لاسيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة والقدرة التامة على الانتقام.