الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } * { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }

{ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ } أي: سعيهم في المعايش واشتغالهم بها { فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } أي: لا يعجزون ربهم على أي حال كانوا { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } أي: توقع للهلاك ومخافةٍ له فإنه يكون أبلغ وأشد. أو ننقّص في أبدانهم وأموالهم وثمارهم حتى يهلكوا. يقال: تخوفه: تنقصه وأخذ من أطرافه { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } أي: حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم بالعقوبة. ثم أخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه بانقياد سائر مخلوقاته، جمادات وحيوانات ومكلفين من الجن والإنس والملائكة له سبحانه، بقوله: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } أي: جسم قائم له ظلّ { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ } أي: يرجع شيئاً فشيئاً { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } أي: عن جانبي كل واحد منها، بُكْرَةً وَعَشِيْاً { سُجَّداً لِلَّهِ } أي: منقادة له على حسب مشيئته في الامتداد والتقلص وغيرهما، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له { وَهُمْ دَاخِرُونَ } أي: صاغرون. وغلب في جمعها من يعقل، فأتى بالواو. أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء. فهو إما تغليب أو استعارة: وكذا ضمير (هم) أيضاً لأنه مخصوص بالعقلاء. فيجوز أن يعتبر ما ذكر فيه، ويجعل ما بعده جارياً على المشاكلة.

لطيفة

لابن الصائغ في سر توحيد اليمين وجمع الشمائل توجيه لطيف، وملخصه: أنه نظر إلى الغاية فيهما؛ لأن ظل الغداة يضمحلّ بحيث لا يبقي منه إلا اليسير. فكأنه في جهة واحدة. وهو في العشيّ على العكس، لاستيلائه على جميع الجهات. فلحظت الغايتان. هذا من جهة المعنى.

وأما من جهة اللفظ فجمع ليطابق { سُجَّداً } المجاور له. كما أفرد الأول لمجاورة ضمير { ظِلاَلُهُ } وقدّم الإفراد لأنه أصل أخف. و { عَنِ ٱلْيَمِينِ } متعلق بـ { يَتَفَيَّؤُاْ } أو حال. كذا في (العناية).

ثم بين سجود سائر المخلوقات سواء كانت لها ظلال أم لا، بقوله تعالى:

{ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ... }.