الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ }

{ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } هذا إخبار عن حال المشركين الظالمي أنفسهم بتبديل فطرة الله، عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم، بأنهم يلقون السلم، أي: ينقادون ويسالمون ويتركون المشاقّة. والعدول إلى صيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع. وأصل الإلقاء في الأجسام. فاستعمل في إظهار الانقياد، وإشعاراً بغاية خضوعهم واستكانتهم. وجعل ذلك كالشيء الملقى بين يَدَيِ القاهر الغالب، على الاستعارة. وقوله تعالى: { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } منصوب بقول مضمر، حال. أي: قائلين ذلك. أو هو تفسير (للسلم) الذي ألقوه؛ لأنه بمعنى القول. بدليل الآية الأخرى:فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ } [النحل: 86] كما يقولون يوم المعاد:وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23].يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } [المجادلة: 18]. ثم أخبر تعالى أن الملائكة تجيبهم بقوله: { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: فلا يفيد الإنكار والكذب على الأنفس { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } أي: مقدراً خلودكم.

قال ابن كثير: وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم. وينال أجسادهم، في قبورها، من حرّها وسمومها. فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم، وخلدت في نار جهنم، لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. كما قال تعالى:ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 46] وقوله: { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } أي: بِئْسَ المقيل والمقام لمن كان متكبراً عن آيات الله واتباع رسله. فذكرهم بعنوان التكبُّر، للإشعار بعليّته لثوائهم فيها. ولما أخبر عن الأشقياء بأنهم قالوا في جوابمَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ } [النحل: 30] هو:أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [النحل: 24] فجحدوا رحمته وكفروا نعمته - تأثره بالإخبار عن السعداء الذين اعترفوا بخيره ورحمته، بقوله تعالى:

{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ... }.