الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }

{ قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي: بأنبيائهم { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } أي: قلع بنيانهم من قواعده وأُسُسه فهدمه عليهم حتى أهلكهم و (الإتيان) يتجوز به عن (الإهلاك) كقوله تعالى:فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } [الحشر: 2] ويقال: أُتِيَ فلان من مأمنه. أي: جاءه الهلاك من جهة أمنه. وأَتَى عليه الدهرُ: أهلكه وأفناه. ومنه الأُتُوُّ. وهو الموت والبلاء. يقال: أتى على فلان أُتوٌّ أي: موت أو بلاء يصيبه. وقد جوز في الآية إرادة حقيقة هلاكهم. كالمحكيّ عن قوم لوط وصالح، عليهما السلام فيما تقدم. أو مجازه على طريق التمثيل، لإفساد ما أبرموه من هدم دينه تعالى. شبهت حال أولئك الماكرين في تسويتهم المكايد، للإيقاع بالرسل عليهم السلام، وفي إبطاله تعالى تلك الحيل، وجعله إياها أسباباً لهلاكهم، بحال قوم بنوا بنياناً وعمَّدوه بالأساطين. فأتى ذلك من قِبَلِ أساطينه بأن ضعضعت، فسقط عليهم السقف فهلكوا. ووجه الشبه: أن ما عدوه سبب بقائهم، عاد سبب استئصالهم وفنائهم. كقولهم. من حفر لأخيه جباً، وقع فيه منكبّاً. وقوله { مِن فَوْقِهِمْ } متعلق بـ { خَرَّ }. و { مِن } لابتداء الغاية أو متعلق بمحذوف على أنه حال من { ٱلسَّقْفُ } مؤكدة. وقيل: إنه ليس بتأكيد؛ لأن العرب تقول: خر علينا سقف ووقع علينا حائط: إذا انهدم في ملكه وإن لم يقع عليه.

{ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي: الهلاك والدمار { مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } أي: لا يحتسبون.