الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ }

{ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } ردٌّ لاستبعادهم النبوة، بأن ذلك سنة له تعالى؛ ولذا ذكر صيغة الاستقبال كقوله تعالى:يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [غافر: 15] وقوله:ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } [الحج: 75] والروح هو الوحي، الذي من جملته القرآن. لقوله تعالى:وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } [الشورى: 52] والتعبير عنه بالروح على نهج الاستعارة. فإنه يحيي القلوب الميتة بالجهل و { مِنْ أَمْرِهِ } بيان للروح، أو حال منه، أو صفة، أو متعلق بـ { يُنَزِّلُ } و { مِنْ } للسببية و { أَنْ أَنْذِرُوۤاْ } بدل من الروح. أي: أخبروهم بالتوحيد والتقوى. فقوله: { فَٱتَّقُونِ } من جملة المنذر به. أو هو خطاب للمستعجلين، على طريقة الالتفات. والفاء فصيحة أي: إذا كانت سنته تعالى ذلك، فاتقون، بما ينافيه من الإشراك وفروعه، من الاستعجال.

قال الزمخشريّ: ثم دل على وحدانيته، وأنه لا إله إلا هو، بما ذكر، مما لا يقدر عليه غيره، من خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان وما يصلحه، وما لا بد له منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وجر أثقاله وسائر حاجاته. وخلق ما لا يعلمون من أصناف خلائقه. ومثله متعال عن أن يشرك به غيره، بقوله سبحانه:

{ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ... }.