الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } * { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ أَفَمَن يَخْلُقُ } أي: كل شيء لا سيما تلك المصنوعات العظيمة المذكورة، وهو الله الواحد الأحد { كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } أي: شيئاً ما، وهو ما يعبدون من دونه. وهذا تبكيت للمشركين وإبطال لإشراكهم بإنكار أن يساويه ويستحق مشاركته، ما لا يقدر على خلق شيء من ذلك، بل على إيجاد شيء ما.

وزعم الزمخشريّ ومتابعوه؛ أن قضية الإلزام أن يقال: (أفمن لا يخلق كمن يخلق) ثم تكلموا في سره. وقد تقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى:وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } [آل عمران: 36] فجدد به عهداً. { أَفَلا تَذَكَّرُونَ } أي: فتعرفوا فساد ذلك. فإنه لوضوحه لا يفتقر إلى شيء سوى التذكر.

ثم نبه، سبحانه وتعالى، على كثرة نعمه عليهم وإحسانه بما لا يحصى، إشارة إلى أن حق عبادته غير مقدور، بقوله تعالى: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } أي: لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم، فضلا أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: حيث يتجاوز عن التقصير في أداء شكرها، ولا يقطعها عنكم لتفريطكم. ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. قاله الزمخشريّ.

ولحظ ابن جرير؛ أن مغفرته تعالى ورحمته لهم، إذا تابوا وأنابوا. أي: فيتجاوز عن تقصيرهم بشكرها الحقيقيّ. ولا يعذبهم بعد توبتهم وإنابتهم إلى طاعته.

لطيفة

قال أبو السعود: كان الظاهر إيراد هذه الآية، عقيب ما تقدم من النعم المعددة، تكملة لها على طريقة قوله تعالى:وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 8] ولعلّ فصل ما بينهما بقوله: { أَفَمَن يَخْلُقُ } الآية [النحل: 17] للمبادرة إلى إلزام الحجة، وإلقاء الحجر، إثْرَ تفصيل ما فعل من الأفاعيل، التي هي أدلة الوحدانية.