الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }

{ وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } أي: بمعونته وتوفيقه { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي: على الكافرين، أي: على كفرهم وعدم هدايتهم { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } أي: في ضيق صدر مما يمكرون من فنون المكايد { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }. تعليل لما قبله. أي: فإنه تعالى كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك بهم؛ لأنه تعالى مع المتقين والمحسنين بالمعونة والنصر والتأييد، فيحفظهم ويكلؤهم ويظهرهم على أعدائهم. قال ابن كثير: هذه معية خاصة كقوله تعالى:إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [الأنفال: 12] وقوله لموسى وهارونلاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [طه: 46] وأما المعية العامة فالسمع والبصر والعلم كقوله تعالى:وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4]، وقوله:مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ } [المجادلة: 7].

قال أبو السعود: تكرير الموصول للإيذان بكفاية كل من الصلتين في ولايته سبحانه، من غير أن تكون إحداهما تتمة للأخرى. وإيراد الأولى فعلية للدلالة على الحدوث. كما أن إيراد الثانية إسمية لإفادة كون مضمونها شيمة راسخة فيهم. وتقديم التقوى على الإحسان لما أن التخلية متقدمة على التحلية. والمراد بالموصولين إما جنس المتقين والمحسنين، وهو عليه الصلاة والسلام داخل في زمرتهم دخولاً أولياً، وإما هو عليه الصلاة والسلام ومن شايعه عبَّر عنهم بذلك، مدحاً لهم وثناء عليهم بالنعتين الجميلين. وفيه رمز إلى أن صنيعه عليه الصلاة والسلام مستتبع لاقتداء الأمة به، كقول من قال لابن عباس رضي الله عنهما، عند التعزية بأبيه العباس:
اصبر نكُن بك صاَبِرِينَ فَإنَّمَا   صبرُ الرَّعِية عندَ صَبْرِ الرَّاسِ
وبعد هذا البيت:
خيرٌ من العباسِ أجرُكَ بَعْدَهُ   والله خيرٌ مِنْكَ للعبَّاسِ
قال ابن عباس: ما عزّاني أحد أحسن من تعزيته.

وعن هَرِم بن حيان أنه قيل له حين الاحتضار: أوص. قال: إنما الوصية من المال، فلا مال لي. وأوصيكم بخواتيم سورة النحل.