الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: لا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم، بالحل والحرمة في قولكم { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [الأنعام: 139] من غير استناد ذلك الوصف إلى وحي من الله فـ { ٱلْكَذِبَ } مفعول (تقولوا) وقوله: { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل من { ٱلْكَذِبَ } واللام صلة للقول. كما يقال: لا تقل للنبيذ إنه حلال، أي: في شأنه وحقه. فهي للاختصاص. وفيه إشارة إلى أنه مجرد قول باللسان، لا حكم مصمم عليه. أو { هَـٰذَا حَلاَلٌ } مفعول { تَقُولُواْ } و { ٱلْكَذِبَ } مفعول { تَصِفُ } واللام في { لِمَا تَصِفُ } تعليلية و { مَا } مصدرية. ومعنى تصف تذكر. وقوله: { لِّتَفْتَرُواْ } بدل من التعليل الأول. أي: لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لأجل وصف ألسنتكم الكذب، أي: لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة. وليس بتكرار مع قوله: { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } لأن هذا لإثبات الكذب مطلقاً، وذلك لإثبات الكذب على الله فهو إشارة إلى أنهم لتمرنهم على الكذب اجترءوا على الكذب على الله، فنسبوا ما حللوه وحرموه إليه. وعلى هذا الوجه - كون الكذب مفعول { تَصِفُ } - ففي وصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، لجعله عين الكذب. ترقى عنها إلى أن خيل أن ماهية الكذب كانت مجهولة، حتى كشف كلامهم عن ماهية الكذب وأوضحها، فـ { تَصِفُ } بمعنى توضح فهو بمنزلة الحدِّ والتعريف الكاشف عن ماهية الكذب. فالتعريف في الكذب للجنس. كأنَّ ألسنتهم إذا نطقت كشفت عن حقيقته. وعليه قول المعرّي:
سَرَى برقُ المَعَرَّةِ بَعْدَ وَهْنٍ   فَبَاتَ بِرَامَةٍ يَصِفُ الكَلاَلا
ونحوه: (نهاره صائم) إذا وصف اليوم بما يوصف به الشخص، لكثرة وقوع ذلك الفعل فيه. و (وجهها يصف الجمال) لأن وجهها لما كان موصوفاً بالجمال الفائق، صار كأنه حقيقة الجمال ومنبعه، الذي يعرف منه. حتى كأنه يصفه ويعرّفه. كقوله:
أضحتْ يمينُكَ من جودٍ مصوّرةً   لا بل يمنيك منها صُوِّرَ الجود
فهو من الإسناد المجازيّ. أو نقول: إن وجهها يصف الجمال بلسان الحال.. فهو استعارة مكنية. كأنه يقول: ما بي هو الجمال بعينه. ومثله وارد في كلام العرب والعجم. وهذا زبدة ما في (شروح الكشاف).

وما في الآية أبلغ من المثال المذكور، لما سمعت. أفاده في (العناية). واللام في: { لِّتَفْتَرُواْ } لام الصيرورة والعاقبة المستعارة من التعليلية. إذ ما صدر منهم ليس لأجل هذا، بل لأغراض أخر يترتب عليها ما ذكر. وجوز كونها تعليلية، وقصدهم لذلك غير بعيد. وفي قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ.

السابقالتالي
2