الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ * وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } لما ذكر تعالى أن قومه يهزأون ويسفهون، أعلمه بما يعلمه سبحانه منه، من ضيق صدره وانقباضه بما يقولون. لأن الجبلة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك. ثم أعلمه بما يزيل ضيق الصدر والحزن. وذلك بما أمره من التسبيح والتحميد والصلاة. كما قال تعالى:وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [البقرة: 45]، وقال:أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد: 28] ومعلوم أن في الإقبال على ما ذكر، استنزال الإمداد الرباني بالنصر والمعونة لقوله:إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [البقرة: 153] وقوله:فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة: 152] وقوله:إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [النحل: 128].

وقد روي في شمائله صلوات الله عليه؛ أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، تأويلا لما ذكر.

قال أبو السعود: وتحلية الجملة بالتأكيد لإفادة تحقيق ما تضمنته من التسلية. وفي التعرض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام، ما لا يخفى من إظهار اللطف به عليه الصلاة والسلام والإشعار بعلة الحكم، أعني الأمر بالتسبيح والحمد. والمراد من { ٱلسَّاجِدِينَ } المصلين. من إطلاق الجزء على الكل. و { ٱلْيَقِينُ }: الموت. فإنه متيقن اللحوق بكل حي مخلوق. وإسناد الإتيان إليه، للإيذان بأنه متوجه إلى الحيّ طالب للوصول إليه. والمعنى دم على العبادة ما دمت حيّا. كقوله تعالى في سورة مريم:وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } [الآية: 31].

وقيل: المراد بـ { ٱلْيَقِينُ } تعذيب هؤلاء وأن ينزل بهم ما وعده. ولا ريب أنه من المتيقن إلا أن إرادة الموت منه، أولى. يدل له قوله تعالى إخباراً عن أهل النار:قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } [المدثر: 43-47] وما في الصحيح عن أم العلاء، امرأة من الأنصار؛ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، قالت أم العلاء: رحمة الله عليك، أبا السائب! فشهادتي عليك، لقد أكرمك الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك أن الله أكرمه؟ " فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله! فمن؟ فقال: " أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير " ".

تنبيه

قال الحافظ ابن كثير: يستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله: { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } على أن العبادة، كالصلاة ونحوها، واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً، كما في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب " ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة. فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل. فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم، أعلم الناس بالله، وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم. وكانوا مع هذا، أعبد الناس وأكثرهم مواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. انتهى.