الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }

{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أي: في مؤاخذة من كفر { نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ } أي: مع كثرتهم { وَعَادٍ } أي: مع غاية قوتهم { وَثَمُودَ } مع كثرة تحصنهم وصنائعهم { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ }.

قال ابن جرير: هذا من تمام قول موسى لقومه، يعني: وتذكاره إياهم بأيام الله بانتقامه من الأمم المكذبة بالرسل.

قال ابن كثير: وفيما قال ابن جرير نظر؛ والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة؛ فإنه قد قيل: إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه لقصّه عليهم، ولا شك حينئذ أن تكون هاتان القصتان في التوراة والله أعلم.

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } جملة من مبتدأ وخبر وقعت اعتراضاً، أو عطف { ٱلَّذِينَ } على { قَوْمِ نُوحٍ } ، و { لاَ يَعْلَمُهُمْ... } إلخ اعتراض، ومعنى الاعتراض، على الثاني: ألم يأتكم أنباء الجمّ الغفير الذي لا يحصى كثرة فتعتبروا بها؟ إنّ في ذلك لمعتبراً. وعلى الأول: فهو ترق ومعناه: ألم يأتكم نبأ هؤلاء ومن لا يحصى بعدهم؟ كأنه يقول: دع التفضيل فإنه لا مطمع فيه، وفيه لطف لإيهام الجمع بين الإجمال والتفصيل.

وقوله تعالى: { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ } يحتمل الأيدي والأفواه أن يكونا الجارحتين المعروفتين، وأن يكونا من مجاز الكلام. وفي الأول وجوه.

أي: ردوا أيديهم في أفواههم فعضوها غيظاً وضجراً مما جاءت به الرسل، كقوله:عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [آل عمران: 119]. أو وضعوها على أفواههم ضحكاً واستهزاء كمن غلبه الضحك. أو وضعوها على أفواههم مشيرين بذلك إلى الأنبياء: أن يكفّوا ويسكتوا. أو أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل أن: اسكتوا. و (في) بمعنى (إلى). أو وضعوا أيديهم على أفواه الرسل منعاً لهم من الكلام أو أنهم أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواههم ليقطعوا كلامهم. ومن باَلَغ في منع غيره من الكلام، فقد يفعل به ذلك. أو أشاروا بأيديهم إلى جوابهم وهو قولهم: { إِنَّا كَفَرْنَا } أي: هذا جوابنا الذي نقوله بأفواهنا، والمراد إشارتهم إلى كلامهم كما يقع في كلام المتخاطبين، أنهم يشيرون إلى أن هذا هو الجواب ثم يقرّرونه، أو يقررون ثم يشيرون بأيديهم إلى أن هذا هو الجواب. قيل: وهو أقوى الوجوه المتقدمة؛ لأنهم لما حاولوا الإنكار على الرسل كل الإنكار، جمعوا في الإنكار بين الفعل والقول؛ ولذا أتى بالفاء تنبيهاً على أنهم لم يمهلوا، بل عقبوا دعوتهم بالتكذيب. وفي تصديرهم الجملة بـ (أن) ومواجهة الرسل بضمائر الخطاب وإعادة ذلك مبالغة في التأكيد.

السابقالتالي
2