الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ }

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أي: يبغونكم إياه { وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ } أي: المولودين صغاراً { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } أي: يبقونهن في الحياة { وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ } الإشارة إلى فعل آل فرعون. ونسبتهُ إليه تعالى للخلق أو الإقدار والتمكين.

قيل: كونُ قتل الأبناء، ابتلاء ظاهر. وأما استحياء النساء، وهن البنات أي: استبقاؤهن، فلأنهم كانوا يستخدمونهن ويفرقون بينهن وبين الأزواج، أو لأن بقاءهُنّ دون البنين رزية في نفسه كما قيل:
ومن أعظم الرُّزْءِ فيما أَرَى   بقاءُ البناتِ وموتُ البَنِينَا
ويجوز أن تكون الإشارة إلا الإنجاء من ذلك. و (البلاء) الابتلاء بالنعمة، وهو بلاء عظيم.

قال الزمخشريّ: البلاء يكون ابتلاء بالنعمة والمحنة جميعاً، قال تعالى:وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [الأنبياء: 35]. وقال زهير:
فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو   
انتهى. ولذا جوّز أن تكون الإشارة إلى جميع ما مرّ، الشامل للنعمة والنقمة.

لطيفة

أشار أهل المعاني إلى نكتة مجيء { وَيُذَبِّحُونَ } هنا بالواو، وفي سورة البقرة:يُذَبِّحُونَ } [الآية: 49] وفي الأعرافيُقَتِّلُونَ } [الآية: 141]، بدونها. والقصة واحدة - بأنه حيث طرح الواو قصد تفسير العذاب وبيانه، فلم يعطف لما بينهما من كمال الاتصال. وحيث عطف - كما هنا - لم يقصد ذلك. والعذاب، إن كان المراد منه الجنس، فالتذبيح، لكونه أشدّ أنواعه، عطف عليه عطف جبريل على الملائكة، تنبيهاً على أنه لشدته كأنه ليس من ذلك الجنس. إن كان المراد به غيره، كاسترقاقهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة، فهما متغايران والمحلّ محل العطف. وجوّز أيضاً كون العطف هنا للتفسير وكأن التفسير - لكونه أوفَى بالمراد وأظهر - بمنزلة المغاير فلذا عطف.