الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }

{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم المستعجلون بالسيئة المتقدمون.

قال أبو السعود: وإنما عدل عن الإضمار إلى الموصول، ذمّا لهم ونعياً عليهم كفرهم بآيات الله تعالى التي تخر لها صم الجبال، حيث لم يرفعوا لها رأسا ولم يعدّوها من جنس الآيات وقالوا عنادا: { لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } أي: مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام، أو مثل ما يقترحون من جعل الصفا ذهباً، أو إزاحة الجبال وجعل مكانها مروجاً وأنهاراً { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ } أي: مرسل للإنذار والتخويف من سوء عاقبة ما يأتون ويذرون، وناصح كغيرك من الرسل. فما عليك إلا البلاغ، لا إجابة المقترحات! { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي: نبيّ داعٍ إلى الحق مرشد بالآية التي تناسب زمنه كقوله تعالى:وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24] تعريض بأنه عليه الصلاة والسلام ليس بدعاً من الرسل. فقد خلا قبله الهداة الداعون إلى الله، عليهم السلام؛ أو المعنى: لكل قوم هاد عظيم الشأن، قادر على هدايتهم، هو الله سبحانه، فما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم. وإيتاؤهم الإيمان وصدهم عن الجحود. فإن ذلك لله وحده كقوله تعالى:لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [البقرة: 272] أو المعنى: { لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قائد يهديهم إلى الرشد. وهو الكتاب المنزل عليهم الداعي بعنوان الهداية إلى ما فيه صلاحهم. يعني: أن سر الإرسال وآيته الفريدة إنما هو الدعاء إلى الهدى وتبصير سبله، والإنذار من الاسترسال في مساقط الردى. وقد أنزل عليك من الهدى أحسنه. فكفى بهدايته آية كبرى وخارقة عظمى. وأما الآيات المقترحة فأمرها إلى الله. وقد لا يفيد إنزالها هداية! قال تعالى:وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } [الإسراء: 59]وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 109] مع ما يستتبع الإصرار بعدها من الأخذ بلا إمهال!سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 62].

قال الشهاب: وجوّز عطف { هَادٍ } على { مُنذِرٌ } وجعل المتعلق مقدماً عليه، للفاصلة. فيدل على عموم رسالته وشمول دعوته. وقد يجعل خبر مبتدأ مقدر، أي: وهو هادٍ، أو وأنت هاد، وعلى الأول فيه التفات.