الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } أي: مراقب لأحوالها ومشاهد لها، لا يخفى عليه ما تكسبه من خير أو شرّ. فهو مجاز؛ لأن القائم على الشيء عالم به، ولذا يقال: وقف عليه - إذا علمه فلم يخف عليه شيء من أحواله، والخبر محذوف تقديره: كمن ليس كذلك - وإنما حذف اكتفاءً بدلالة السياق عليه وهو قوله: { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ } أي: عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان. وقوله: { قُلْ سَمُّوهُمْ } تبكيت لهم إثر تبكيت، أي: سمّوهم من هم، وماذا أسماؤهم؟ فإنهم لا حقيقة لهم! أو صفوهم وانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة؟

وقال الرازي: إنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى أن لا يذكر ولا يوضع له اسم، فعند ذلك يقال: سمّه إن شئت، يعني: إنه أخسّ من يسمّى ويذكر، ولكنك إن شئت أن تضع له اسماً فافعل. فكأنه تعالى قال: سمّوهم بالآلهة، على سبيل التهديد، والمعنى سواء سميتموهم بهذا الاسم أو لم تسموهم به، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها.

{ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ } أي: بشركاء لا يعلمهم سبحانه، وإذا كان لا يعلمهم، وهو عالم بكل شيء مما كان ومما يكون، فهم لا حقيقة لهم، فهو نفي لهم بنفي لازمهم على طريق الكناية.

قال الناصر: وحقيقة هذا النفي أنهم ليسوا بشركاء وأن الله لا يعلمهم كذلك لأنهم ليسوا كذلك، وإن كانت لهم ذوات ثابتة يعلمها الله، إلا أنها مربوبة لا آلهة معبودة، ولكن مجيء النفي على هذا السنَنَ المتلوّ بديع لا تكتنه بلاغته وبراعته. ولو أتى الكلام على الأصل غير محلّى بهذا التصريف البديع لكان: وجعلوا لله شركاء وما هم بشركاء، فلم يكن بهذا الموقع الذي اقتضته التلاوة.

وقوله تعالى: { أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } أي: بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة، كتسمية الزنجيّ كافوراً من غير بياض فيه ولا رائحة طيبة، لفرط الجهل وسخافة العقل، وهذا كقوله تعالى:ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } [التوبة: 30]مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا } [يوسف: 40]. وعن الضحاك: إنّ الظاهر بمعنى الباطل، كقوله:
وذلك عارٌ يا ابن رَيْطَةَ ظَاهِرُ   
تنبيه

قال الزمخشري: هذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها منادٍ على نفسه بلسان طلق ذلق؛ أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه.

قال شارحوه: فإن قوله تعالى: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ } لما كان كافياً في هدمِ قاعدة الإشراك مع السابق واللاحق وما ضمن من زيادات النكت، وكان إبطالاً من طريق حق، مذيلاً بإبطال من طرف النقيض على معنى: ليتّهم إذ أشركوا بمن لا يجوز أن يشرك به، أشركوا من يتوهم فيه ذلك أدنى توهم، وروعي فيه أنه لا أسماء للشركاء ولا حقيقة لها فضلاً عن المسمى على الكناية الإيمائية.

السابقالتالي
2