الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }

يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بقدرته رفع السماوات، أي: خلقهن مرتفعات عن الأرض ارتفاعاً لا ينال ولا يدرك مداه! وقوله تعالى: { بِغَيْرِ عَمَدٍ } أي: أساطين. جمع عماد أو عمود. وقوله تعالى: { تَرَوْنَهَا } إما استئناف للاستشهاد برؤيتهم السماوات كذلك، كقول الشاعر:
أنا بلا سيف ولا رمحٍ تراني   
أو صفة لـ { عَمَدٍ } جيء بها إبهاماً لأن لها عمداً غير مرئية، وإليه ذهب كثير من السلف؛ ورجح ابن كثير الأول وأنها لا عمد لها، قال: وهذا هو اللائق بالسياق والظاهر من قوله تعالى:وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [الحج: 65] والأكمل أيضاً في القدرة! وقوله تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } تقدم تفسيره في سورة الأعراف، وأنه يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل. وقوله تعالى: { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي: ذللهما لما أراد منهما من نفع العالم السفلي. وقوله تعالى: { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } أي: لغاية معينة ينقطع دونها سيره، وهو قيام الساعة، كقوله تعالى:وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [يس: 38] وقد بين ذلك في قوله تعالى:إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [التكوير: 1]وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } [الانفطار: 2] والاقتصار على الشمس والقمر، لأنهما أظهر الكواكب وأعظم من غيرهما. فتسخير غيرهما يكون بطريق الأولى. وقد جاء التصريح بتسخيرهما مع غيرهما في قوله تعالى:وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54]. وقوله تعالى: { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } أي: أمر العالم العلوي والسفلي ويصرفه ويقضيه بمشيئته وحكمته على أكمل الأحوال. لا يشغله شأن عن شأن. وقوله تعالى: { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } يعني: الآيات الدالة على وحدته وقدرته ونعوته الجليلة. أي: يبينها في كتبه المنزلة. وقوله تعالى: { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } أي: لعلكم توقنون وتصدقون بأن هذا المدبر والمفصل، لا بد لكم من المصير إليه، بالبعث بعد الموت للجزاء. فإن من تدبر حق التدبر، أيقن أن من قدر على إبداع ما ذكر من الآيات العلوية، قادر على الإعادة والجزاء!

لطائف

الأولى: جُوِّزُ في قوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أن يكون الموصول خبراً، وأن يكون صفة، والخبر { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } ورجح في (الكشف) الأول، بأن قوله الآتي:وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } [الرعد: 3] عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات والسفليات. وفي المقابل الخبرية متعينة، فكذا هذا ليتوافقا. والجملة مقررة لقوله:وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } [الرعد: 1] وعدل عن ضمير الرب إلى الجلالة لترشيح التقرير، كأنه قيل: كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق؟ وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها. لا سيما وقد جعل صلة للموصول. وهذا أشد مناسبة للمقام، من جعله وصفاً مفيداً لتحقيق كونه مدبراً مفصلاً، مع التعظيم لشأنهما.

السابقالتالي
2