الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } * { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }

{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً } أي: من الصواعق { وَطَمَعاً } أي: بالمطر أن يحيي النبات { وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } أي: بالماء. { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } أي: يسبح سامعوه من العباد الراجين متلبسين بحمده، أي: يضجون بـ (سبحان الله والحمد لله) فيكون على حذف مضاف أو إسناداً مجازيّاً للحامل والسبب، أو يسبح الرعد نفسه، بمعنى دلالته على وحدانيته تعالى وفضله، المستوجب لحمده. فيكون الإسناد على حقيقته والتجوّز في التسبيح والتحميد. إذ شبه دلالته بنفسه على تنزيهه عن الشرك والعجز بالتسبيح والتنزيه اللفظي. ودلالته على فضله ورحمته، بحمد الحامد لما فيها من الدلالة على صفات الكمال.

قال الرازيّ: الرعد اسم لهذا الصوت المخصوص. والتسبيح والتقديس وما يجري مجراهما، ليس إلا وجود لفظ يدل على حصول التنزيه والتقديس لله سبحانه وتعالى. فلما كان حدوث هذا الصوت دليلاً على وجود متعالٍ عن النقص والإمكان، كما ذلك في الحقيقة تسبيحاً. وهو معنى قوله تعالى:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 44].

{ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } أي: وتسبح الملائكة من خوف الله تعالى وخشيته وإجلاله { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ } أي: فيهلك بها من يشاء. وقوله تعالى: { وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ } يعني الكفرة المخاطبين في قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ } وقد التفت إلى الغيبة إيذاناً بإسقاطهم عن درجة الخطاب وإعراضاً عنهم، وتعديدا لجناياتهم لدى كل من يستحق الخطاب، كأنه قيل: هو الذي يفعل أمثال هذه الأفاعيل العجيبة، من إراءة البرق وإنشاء السحاب الثقال وإرسال الصواعق الدالة على كمال علمه وقدرته. ويعقلها من يعقلها من المؤمنين. أو الرعد نفسه والملائكة. ويعملون بموجب ذلك من التسبيح والحمد والخوف من هيبته تعالى، و { وَهُمْ } أي: الكفرة الذين حكيت هَناتُهُمْ مع ذلهم وهوانهم وحقارة شأنهم، يجادلون في شأنه تعالى، بإنكار البعث واستعجال العذاب، استهزاء واقتراح الآيات فالواو لعطف الجملة على ما قبلها من قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ }. أفاده أبو السعود.

أي: يريكم ما ذكر من الآيات الباهرة الدالة على القدرة والوحدانية. وأنتم تجادلون فيه و (الجدال) أشد الخصومة، من (الجدل) بالسكون - وهو فتل الحبل ونحوه، لأنه يقوى به وتشتد طاقاته. { وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ } أي: والحال أنه شديد المماحلة والمماكرة والمكايدة لأعدائه، يأتيهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون من (مَحَلَهُ) إذا كاده وعرضه للهلاك، ومنه (تمحّل لكذا) إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه.

تنبيه

ذكر في العلم الطبيعيّ: أن الصواعق شرارات تنطلق دفعة واحدة من تموّجات السحب ومصادمتها لبعضها. فيحصل في الهواء اهتزاز قويّ، وأما الرعد فهو الصوت الذي يحصل من ذلك الانطلاق ويصل إلينا ببطء على حسب بعد السحب الحاملة للصواعق عنا. وعلى حسب اتساع السحب، يطول سماعنا لصوت الرعد.

السابقالتالي
2